مقالات

” وأَنْ تَصومُوا خَيْرٌ لَكُمْ “

المقال الأسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية

 

ينقله لكم ناصف ناصف
إنَّ أيَّام عمرنا تتصرَّم، وساعات حياتنا تنقضي، فقدِّم لنفسِك صالحًا قبلَ حلول ساعة الأجل، وهذه الغنيمة بين يديك، وها نحن نستعد في شهر شعبان لاستقبال شهر رمضان، ولا ننسى أن شهر شعبان شهر مبارك كذلك
وإنَّ ممَّا يُشرع في شهر شعبان: أنَّ مَن عليه قضاء من رمضان لا يجوز له تأخيرُه حتى يدخلَ رمضان الذي يليه من غير عذر؛ فعن عائشةَ رضي الله عنها: قالت: “كان يكون عليَّ الصومُ من رمضان، فما أستطيعُ أن أقضيَه إلاَّ في شعبان؛ وذلك لمكانِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم”؛ رواه مسلم.
والصِّيام بعد النِّصْف من شعبان له أحوال: صائمٌ يصوم قضاءً لِمَا فاتَه، أو وفاءً لنذر الْتزم به، فهذا الصوم لا بأسَ به في حقِّه، بل واجب., وصائم يصوم أيَّامًا اعتاد على صيامها قبلَ شعبان، كصيام الأيام القمرية ( البيض)، وصيام الاثنين والخميس، فهذا جائزٌ صومُه.
وقد تضمنت تشريعات الإسلام كل شيء من العقائد التي تتمثل في الإيمان والشرك والردة والكفر، ومن التشريعات الفقهية والمعاملات والفرائض التي تمثل هوية المسلم وشكلها. ولمّا جاء الإسلام لم يأتِ بكل العقائد والتشريعات مرة واحدة؛ لأنّه جاء لعصرٍ انتشرت فيه براثن الأصنام والشرك بكل أشكاله، فأخذ الإسلام في أحكامه تدرجًا واضحًا، وأبعادًا زمنية حكيمة لكل تشريع كان ينزل على المسلمين آنذاك؛ وذلك لأنّ لكل فترة في حياتهم خصوصية تختلف عن غيرها، و لأنّ طبيعة الإسلام هي اليسر وليس العسر، ومبدأه هو مبدأ فطري إنساني، فالإنسان طبعه التعوّد، ويتعود على الشيء بالتدرج فيه، يبدأ بشيء صغيرٍ حتّى إذا ما أتقنه ينتقل لشيء أكبر منه وهكذا، وعلى هذا المبدأ قامت تشريعات الإسلام المختلفة. وهذا ما حدث عندما نزلت فريضة الصيام على المسلمين، فقد فرض الصيام بعد خمسة عشر سنة أو أكثر من بعثة الرسول عليه الصلاة السلام، فكيف لو جاء الإسلام بالتشريعات من أول البعثة , ولكنّه كما أسلفنا دين يسرٍ وحكمة. فرضت الصلاة في السنة العاشرة من البعثة بعد أن رسخت عقيدة التوحيد في قلوب المسلمين، و بدأت قلوبهم تميلُ لأداء العبادة لخالقهم؛ لإعطاء الدليل الواضح على إسلامهم وامتثالهم لأمر الله عز وجل، وما إن رَسَخت الفريضة الأولى وعمود الدين في حياة المسلمين وبعد خمس سنواتٍ من بعد فريضة الصلاة فرض الصيام لقوله تعالى :” وأَنْ تَصومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” البقرة- 184 ؛ فقد كانت فريضة الصيام من التشريعات لا العقائد، بينما كانت الصلاة عقيدة، حيث فرض الصيام في المدينة المنورة، حين قامت دولة الإسلام وتأصل في قلوب المسلمين، وأصبح الخطاب الرباني الموجّه إليهم يبدأ بـ (يا أيّها الذين ءامنوا)، وكانت سنة فرض الصيام هي الثانية من الهجرة. حتّى فريضة الصيام كانت بتدرج ولم تفرض فريضة تامة وكاملة من أولها،فنِعم الدين هو الإسلام، ونعم التشريعات هي شرعه، فيه كل الخير لو وَعيناهُ تمامًا.
أ . د / مفيدة إبراهيم علي عبد الخالق – عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى