مقالات

عن ذوي الهمم أكتب.

بقلم عادل القليعي
أستاذ الفلسفة الإسلامية.
بآداب حلوان
بداية أقدم تحية شكر وتقدير لكل من مد يد العون بقلوب محبة، لكل من أدخل السرور علي هؤلاء الأخيار الذين اختارهم الله من بين عباده لتحمل نعمة الابتلاء، أولئك الذين لم يجزعوا لما أصابهم ولم يهنوا ولم يحزنوا، فصدق فيهم قوله تعالي “إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب”
عندما نمسك أقلامنا ونكتب عن هؤلاء نكتب لا بدافع الشفقة والعطف، وانما بدافع من احترامهم واجلالهم وتقديرهم، وحقوقهم علينا.
ليس هذا وحسب بل بدافع من الواجب الأخلاقي والضمير الفردي، وكذلك الضمير الجمعي متمثلا في تكاتف الجميع والوقوف صفا واحدا لدعم هؤلاء، خصوصا ونحن مقدمون علي نهضة تنموية مستدامة وبناء دولة مدنية معاصرة، الكل فيها سواء، إرساء لمبدأ العدالة والمساواة والمواطنة فليس ثم مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية.
وتلك دعوة الله سبحانه وتعالي من فوق سبع سموات،” إن الله يأمر بالعدل والإحسان”
وكذلك تكريم الله تعالي للإنسان بما هو كذلك وتوفير كافة الإمكانيات لتلبية متطلباته المعيشية، وتوفير جميع مقومات حياته، في قوله تعالي”ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا”.
أنظروا لقوله تعالي ولقد كرمنا، التكريم للإنسانية جميعا لم يكن مقتصرا علي جنس دون جنس، صحيح دون مريض، غني دون فقير، قوي دون ضعيف، وانما إطلاق الحكم دونما نسبية، وتكريمه بتوفير ما يعينه علي حياته، ليس هذا وحسب، بل وتفضيله بالعقل والإرادة علي كثير من مخلوقات الله تعالي.
من هم ذوي الهمم، ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا أقول المعاقين، لا المعاق هو العاجز الذي لا يستطيع إكمال مسيرته والذي يصاب باليأس، وديننا يرفض اليأس، لأن في ذلك قنوط من رحمته تعالي”إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”، لكن أقول ذوو الهمم ، أولئك النفر الهمام الذين لا يتواكلون ولا يتكاسلون، وانما يجالدون ويثابرون لتحقيق أحلامهم التي يصبو إلي تحقيقها.
من هؤلاء، أصحاب القلوب النقية، البسمة الصافية، أهل الهمة، الذين سيصلون إلي القمة مدعومين بقيادة حكيمة تقف خلفهم وتدفعهم دفعا إلي الأمام، أولئك الذين لم يقعدهم مرض مزمن، أو إصابة أصابتهم، أو ولدوا هكذا بعيب خلقي بكسر الخاء، لكنهم يسمون ويرتقون بأخلاقهم، أو تعرضوا لحوادث افقدتهم أبصارهم، أو أطرافهم، أو أصابهم ضمور في العضلات، والأعصاب، فباتوا لا يستطيعون الكلام أو الحركة أو فقدوا أبصارهم، نتيجة ظروف تعرضوا لها.
هل نترك هؤلاء هملا، هل ننفر منهم، هل نحبسهم في أماكن مغلقة اما للخوف منهم علي الأصحاء، أو التحرج من أن يرأهم الناس، من يفعل ذلك فليراجع نفسه، فإن ذلك نقص في الدين وخلل في النفوس المريضة، هل ننظر لهم نظرة دونية، كلكم لآدم وآدم من تراب.
إن الإعاقة في بني آدم قدر محتوم، لكن العجب قد يكون أشد حين نقول، إن آدم وذريته قد عرفت فيهم الاعاقات بأنواعها من قبل أن يخلقوا ويقدر وجودهم علي الأرض وأنها تقدير محكم ممن خلق فسوي وقدر فهدي”لما خلق الله تعالى آدم، ظهره كل نسمة تكون إلي يوم القيامة فعرضهم علي آدم، فرأي منهم القوي والضعيف، الغني والفقير، والمبتلي، فقال يارب ألا سويت بينهم، قال أردت أن أشكر”أخرجه أبو يعلي في مسنده، حديث رقم6377، وغيره من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأحاديث النبي كثيرة في الإهتمام بذوي الهمم والاحتياجات الخاصة”مثل المؤمنون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي”.
ألم تأتي امرأة تشكو للنبي صلي الله عليه وسلم، ما يحدث لها من حالات صرع إصابتها، ألم يطببها معالج الروح، ألم يقل لها تصبري ولك الجنة، أليست هذه من ذوي الأمراض المزمنة، من ذوي الهمم، قالت أصبر يا رسول اللّه، لكن ادعوا الله لا ألا اتكشف.
ألم يتحدث القصص القرآني عن هؤلاء، ألم ينزل قرآنا يتلي في عبدالله بن أم مكتوم، تكريما له وعتابا للنبي صلى الله عليه وسلم”عبس وتولي، أن جاءه الأعمي، وما يدريك لعله يزكي أو يذكر فتنفعه الذكري”، ألم يحتضن النبي هذا الصحابي ويضمه إلي صدره ويقول له كلما يراه تعالي يا من عاتبنا فيك ربي، أي تكريم لذوي الهمم بعد تكريم الله تعالي ورسوله لهم، فحقيق علينا جميعا أن نتكاتف ونلتف حول قيادتنا للوقوف بجانب هؤلاء الأبرار.
ونحن في بلدنا الحبيب نسيج واحد وجسد واحد، ومن ثم لابد أن نشعر ببعضنا البعض ونشد من أزر بعضنا البعض.
وإذا احتكمنا إلي الواجب الأخلاقي الذي حدثنا عنه الفلاسفة وخصوصاً كانط، فإننا سنجد أن ثم ضرورة ملحة للاهتمام بهؤلاء لا بدافع شفقة ولا إحسان وانما الحتمية العقلية تحتم علينا فعل ذلك، احترما للإنسان بما هو كذلك، فعامل الإنسانية ممثلة في شخصك بما تحب أن يعاملك به الآخرون.
باتت الحاجة ملحة بالاهتمام بهؤلاء، خصوصا ونحن علي أعتاب فتح جديد وبناء دولة قوية، والحق الذي لايقبل شكا ولا مراء، فإن الدولة بكل مؤسساتها لا تألوا جهدا للنهوض بهؤلاء بدءا برأسها إلي كل مؤسسات الدولة لا يدخرون جهدا في النهوض بهم وتوفير سبل الراحة التي تهيئ لهم حياة كريمة متعايشين مع جميع أفراد المجتمع لا فوارق بينهم.
ومن مظاهر إهتمام الدولة بهؤلاء الأكارم توفير وسائل التعليم المناسب لهم وهو ما اتجهت له الحكومة مؤخرا بما عرف بنظام تعليم الدمج ووضع امتحانات تتناسب معهم وتخريجهم من كليات بشهادات معتمدة تؤهلهم لسوق العمل الذي يتناسب مع طبيعتهم.
كذلك توفير درجات مالية يعينون عليها بما يسمي بنسبة الخمسة بالمائة.
أيضا إدماجهم في كل النوادي واستخراج كارنيهات عضوية لهم بالمجان، وكذلك في المواصلات وخصوصا في محطات المترو توفير اسانسيرات لهم وركوب المواصلات بالمجان أو بنصف الثمن، كذلك من مظاهر الإهتمام مشاركتهم في كل المجالات الثقافية والعلمية والمنتديات الفكرية، ولم لا وهم المبدعون المتألقون، ألم يتفوقوا في كل المجالات، ألم يحصدوا المراكز الأولي في المسابقات الرياضية ومسابقات القرآن الكريم، وفي البطولات العالمية في الاوليمبياد، ورفع الأثقال ، وكمال الأجسام وتنس الطاولة.
ليس هذا وحسب، بل وإقامة الاحتفالات لهم في كل المناسبات الوطنية والقومية يكون لهم نصيب الأسد من التكريم، وتقديم رئيس الدولة لهم المكافآت أليس ذلك تكريم لهم، ومن مظاهر الإهتمام أيضا، اعطائهم معاشات من الشؤون الإجتماعية والتأمينات تعينهم علي الحياة، واكرر هذا حقهم علينا جميعا، لماذا لأننا نتعامل مع الإنسان بما هو إنسان.
السيدات والسادة، نحن نبني دولة معاصرة تنطلق نحو العالمية، والعالم كله يهتم بذوي الهمم، فمن باب أولي، ونحن أهل الحضارة وأهل التمدن، أن نولي اهتمامنا بذوي الهمم، فهم أهل لكل إهتمام وهذا واجبنا تجاههم لأنهم مكون أصيل من مجتمع يسعي نحو الأفضل، يسعي نحو المواكبة والمعاصرة والحداثة.

زر الذهاب إلى الأعلى