مقالات

” إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ”

” إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة / ناصف ناصف          

الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق. ولا يمكن معرفة الحق في قضية أو مسألة إلا بالبحث عنه أيًّا كان مصدره دون سابق افتراضات أو دون تمحيص.

ولقد خاطب اللَّه عزّ وجلّ عبده ونبيه مُحمَّدًا -صلى الله عليه وسلّم- بقوله تعالى: “الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ” في آيات عدة منها :” الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ” البقرة- . 147وقوله تعالى :” فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ” هود-17  

فالحق والباطل بينهما علاقة مدّ وجزر، وعلى ضوء قوة وإخلاص وتضحية أصحاب الحق فإن الحق يزهق الباطل، وفي حالة تخلي أهل الحق عن حقوقهم وتهاونهم فيه فإن الباطل يتغلب ويضيع الحق . وهذه سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلاً

وقد تعرض القرآن الكريم للصراع بين الحق والباطل، وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى تكفّل بانتصار الحق على الباطل ما دام أصحاب الحق طائعين لله معتزين به ملتزمين بأحكامه فيقول سبحانه وتعالى: “وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ” الإسراء – 81 ومن سنن الله التي لا تتبدل أن الحق إذا جاء زهق الباطل، فالباطل لا يمكن أن يثبت أمام الحق .

وهناك نهي في القرآن الكريم عن الخلط بين الحق والباطل، ومحاولة كتمان الحق فيقول سبحانه وتعالى: “ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ” البقرة – 42

فهذه الآية الكريمة تتضمن النهي عن أمرين خطيرين هما: إلباس الباطل ثوب الحق وتعمد الخلط بينهما، وكتمان الحق .

وهذان الأمران فيهما قلب للحقائق ومضيعة للحق من قبل أُناس لا خلاق لهم باعوا دينهم بعرض من الدنيا محاولين الايهام بأن الحق في جانبهم ويظهر صاحب الحق في كثير من الأحيان بمظهر الضعيف المرتبك وكأنه لا حجة له ولا دليل، فيضيع حقه ولا معين، وقد أشار -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك من حديث مطول: . . . ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض- متفق عليه عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وما يصدق على الأفراد يصدق على الجماعات وعلى الشعوب والأمم والدول .

ومن مظاهر الخلط بين الحق والباطل شهادة الزور أيضا التي تعتبر من أكبر الكبائر, وإن ظهور الباطل وبقاءه منتفشاً فترة من الزمن.. ليس معناه أن الله تاركه.. أو أنه من القوة بحيث لا يغلب.. أو بحيث يضر الحق ضرراً باقياً قاضياً.

وإن ذهاب الحق مبتلى في معركة من المعارك وبقاءه ضعيف الحول والقوة فترة من الزمن.. ليس معناه أن الله جافيه أو ناسيه.. أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه. .كلا.. إنما هي حكمة وتدبير من الحكيم الخبير هنا وهناك. لقوله تعالى : ” وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ” آل عمران-178." إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ"

زر الذهاب إلى الأعلى