مقالات

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

“متابعة ناصف ناصف
من الأساليب القرآنية التي اعتمدها القرآن الكريم تثبيتاً لمعاني الإيمان، وتبياناً لأحكام الإسلام ضرب الأمثال، وهو أسلوب يُظهر المعنى المجرد بمظهر الواقع محسوس، بحيث يكون أقرب إلى فهم المتلقي، وأوضح في بيان المقصود من الخطاب القرآني. وفي كل آيات القرآن التي تتحدث عن الإنفاق، يطالبنا الله فيها بالإنفاق، ويعدنا بالتعويض والمضاعفة، وينبهنا إلى أن عملية الإنفاق لن تنتهي عند بذل المال وحسب، بل إن لها أيضًا حلقة تكميلية تتمثل في المردود الذي لن يكون مساويًا للمال المبذول، بل سيتضاعف بقدر جودة الإنفاق وحسنه .
وأن الاهتمام بقضاء حوائج الناس والإحسان إليهم لا يُحسِنه كُلُّ أحدٍ، فالإحساس بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم من أعظم القربات، ومن أجلّ الأعمال التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه , وإن الله إذا أراد بعبده خيرًا جعل قضاء حوائج الناس على يديه . وكان هذا من تمام رحمة رسولنا الكريم ، وكمال جُودِه وسَعيِه، وحسن أخلاقه وجميل صفاته لقوله عليه الصلاة والسلام :”والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه “. وقوله : “خير الناس أنفعهم للناس. ” وكان من هديه – صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مع أصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي، ومن ذلك أنه كان يسأل عنهم، ويتواضع معهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم، ويسعى في تفريج همومهم وقضاء حوائجهم، فكان يقوم على حاجة أصحابه عامة، وعلى حاجة الأرامل والمساكين واليتامى خاصة، فلا يأنَفُ أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي حاجتهم .فما أعظم هذا الدين الذي جعل مساعدة الناس بهذه المنزلة العظيمة،
وفي قوله نعالى :”مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”البقرة -261
مثل ضربه اللّه لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وعن ابن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله جعل حسنة ابن آدم إلى عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ” شرط ألا تنفق إلا في سبيل الله و طمعا في عطاء الله ولا يتبعها المن ولا الأذى. لقوله تعالى :” ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى” -البقرة 262 وهنا تحذير للمتصدق من هاتين الصفتين الذميمتين لأنهما مبطلتان لثواب الصدقة , والذين ينفقون أموالهم في طاعة الله وسبيله، ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب أو باللسان فهؤلاء لهم أجرهم اللائق بهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فالحق سبحانه يوضح لنا أن آفة الإنفاق أن يكون مصحوباً بـ”المن” أو “الأذى”. وكأن المن إذن عبء نفسي كبير. ويطمئن الحق سبحانه من ينفقون أموالهم دون من ولا أذى في سبيل الله بأن لهم أجراً عند ربهم. أما الذي يمن أو يؤذي فقد أخذ أجره بالمن أو الأذى، وليس له أجر عند الله. وقد ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أى : عطاؤه واسع، وجوده عميم، وفضله كبير، وهو- تعالى- عليم بنيات عباده وبأقوالهم وبأفعالهم وبسائر شئونهم،فيجازى كل إنسان على حسب نيته وعمله . أ .د / مفيدة إبراهيم علي -عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى