تحقيقاتتقاريرصحيفة المواطنعاجلمحافظات

” عندما يبحث الإنسان عن ذاته “

بقلم : زينب مدكور

حياتنا رحلة بحث دائم من أجل إيجاد الذات. نعم الذات التي تسكن داخل الإنسان، إنها بداخلهِ، ولكن ليس الجميع يعرف أين تختبئ ، لا يعرف كيف يجدها ويُخرجها كي تُبهر خارجهِ وتعكسها على الآخرين ؟! لكونهِ أحيانا كثيرة يُضيعها أو يجعلها مُستترة بتصرفات كثيرة لا إرادية منهُ ، ويُبقيها خامدةٌ ، راكدةٌ ، منسيةٌ ! وهو مع الأسف لا يعرف ذلك ولا يُدركهُ إلا في لحظة حرجة من لحظات الحياة ، فيتذكرها ويتذكر إنسانيتهُ ويتذكر الآخر ، ويبدأ بالبحث عنها لإيجادها وإرجاعها إلى مسكنها ( نهم إنها ذاته ) ، ولكن بعد ماذا ، فربما يكون قد فات الأوان . وهنا يكمن مفهوم الذات بأكثر من معني ومن خلال الهدف الذي نسعي إليه ونريد تحقيقه ، فعندما يبحث الإنسان عن ذاته فهو إما يبحث عن آخر وهو مفهوم الآخر ( شريك الحياة ) أو معاني أكثر دقة ف نفسه هو ، الله حينما أراد الحياة للإنسان، أراد لهُ في نفس الوقت (آخر) مُكمل لهُ ، يعيشان الحياة معًا مُتلازمان ، مُتكاملان ، مُتفاهمان ، مُتعاونان ، أحدهما يجد نفسهُ في الآخر ومن خلالهِ ، يُضحيان معًا بكل شيء من أجل الآخر بعيدًا عن الأنانية والذاتية ، وأيضا يقطعان سنوات العمر معًا ، فالجميع يبحث عن شيء ما في حياتهِ مثل : الطموح ، المستقبل ، المال ، الشهرة ، الأمل ، الأمان ، المتعة ، الرقيّ ، التعليم ، العمل ، الآخر ….الخ ، لأنهُ يعرف أنهُ بحاجة لهذا البحث من أجل حياتهِ ، ولكن أهم هذه جميعها هي البحث عن الذات من أجل الآخر . بحثًا مُتوافقًا ومُتقبلاً لهُ ، وهذا الآخر جزء لا يتجزأ ولا يمكن الانفصال عنهُ ، بلْ لابدّ من التوافق والتواصل معهُ وتقبلهِ من خلال تقبل النفس والذات أولاً. فإذا كنت قد تقبلتْ نفسك وذاتك عندها تكون قد تقبلتْ الآخر، بالاحترام والتقدير والتفاهم وبالمعرفة المُتبادلة كل لدي الآخر ، وعندها أيضًا تكون أنت هو ، وهو أنت (علاقة تكافئية) فالإنسان وجدَ في هذه الحياة ليعيش مع الآخر . فلا يوجد أحدٌ يعيش لذاتهِ ومع نفسهِ ، لأن هنا تكون الأنانية ، فكون تفكيرهُ مُتمركز حول نفسهُ وأن يعيش لها فقط ولإرضائها ومُندمجًا معها دون الآخر ! هذا بالتأكيد يؤثر على ما حولهُ ويجعل العلاقات الإنسانية تتقلص وتتمركز حول نقطة واحدة وهي الذات المُنفردة ( الأنانية ) نعم الذات المُنفردة التي تكون مُجردة من المحبة ، والتي هي أساس العلاقات ، وكذلك هي أصل الترابط مع الآخر ، لذا من يحبَّ ذاتهُ، يحبُّ الآخر ويتقبلهُ ويعينهُ في مسيرتهِ لأنهُ ينظر إليهِ من خلال محبتهِ لنفسهِ . ويكون لهُ عكازًا يستندُّ عليه، لا يتفاخر ولا يتعالى عليه، ولا يقول لهُ، أنت أنتَ، وأنا أنا! لا يجعلهما مُنفردين ولا يضع حاجزًا بينهما، بلْ يقول لهُ:” أنتَ أنا، وأنا أنتَ”، ولنْا طريق واحدة هي (الآخرة) و معًا نحن إليها سائرين. ولاحظوا أنهُ مهما أكثرنا من قول كلمة (أنا) في حياتنا، فإن الآخر يختفي رويدًا رويدًا، لأن هنا الأنانية تسيطر وتأخذ مكانتها في النفس! وأيضًا فعلنْا الجيد سوف لا نجد لهُ وجود أو حضور أو أثر! وعلى مقدار أعمالنْا يكون تواجد الآخر في حياتنا، ومن خلالهِ تُقيم حياتنا ويكون لها معنى وصدى دائم. فعندما أحقق إنسانيتي كإنسان من خلال أعمالي وأفعالي التي ترضي الله والآخر والإنسانية ، حينها أكون قد حققتْ ذاتي من خلال الآخر ومن خلال كل ما أقدمهُ لهُ، أيًا كان في حياتنا. وحينها كذلك أكون قد أرضيتْ آخرتي عندما يحين موعد الرحيل، وأعمالنا وأفعالنا التي هي جواز مرورنْا للآخرة ، وبه نجد ذاتنا التي قد نفقدها في يوم من الأيام إذا فقدنا هذا الآخر ولمْ نعطهِ الاستحقاق الذي يستحقهُ أو الاستحقاق الذي يليق به ويحقق وجودهُ وكيانهِ كإنسان خُلق ليكون إنسان . والآخر ليس شرط أن يكون هو (الشريك المُكمل) للحياة فقط، بلْ الآخر اتسعتْ أفاقهِ ليشمل العالم كلهُ. وعندما تبني ذاتك، وتُشكلها ، وتُحددها ، وتُكونها حتي من العدم ، حتى وإن كانت عصيةٍ ، وعندما تفعل كل ما يُرضيها ويُرضي الآخر ، فأنك تجدها لتحيا من أجل هذا الآخر، الذي قلنْا عنهُ أنهُ قد يكون المُكمل للحياة أو إنسان تربطنا به أي علاقة إنسانية فكن أنت أنت ولكن ذاتك هي محبتك وإنيانيتك وقلبك ورحمتك لكل من هم حولك .

زر الذهاب إلى الأعلى