عاجل

قـراءة في فـقــه الصــلاة 1

الاستاذالدكتورعلاءالحمزاوى الاستاذبجامعة المنيا

 

 

متابعة ناصف ناصف

ــ الصلاة لغةً الدعاء، قال الله لنبيه: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} أي ادع لهم فدعاؤك راحة واستقرار وطمأنينة لهم، وفي الحديث “إذا دُعِي أحدكم فليُجِب، فإن كان صائماً فليُصِلِّ، وإن كان مفطراً فليَطعَم”، فليصلِّ: فليدعُ لصاحب الوليمة ويطعم: يأكل، وتأتي الصلاة بمعنى الرحمة والاستغفار، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، فصلاة الله رحمة وصلاة الملائكة استغفار، وتأتي الصلاة بمعنى القراءة، قال تعالى: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا)، واجتمعت هذه المعاني في الصلاة المفروضة، فهي شرعا عبادة يومية من أقوال وأفعال تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، ولا تصح بدون قراءة القرآن ولاسيما الفاتحة، وقراءته رحمة ودعاء واستغفار.

ــ وثمة علاقة بين الاسم والمسمى في العبادات الإسلامية، فسُمِّي الصيام صياما؛ لأنه امتناع عن بعض الأشياء، وسُمِّي الحج حجا؛ لأنه بمعنى قصد زيارة بيت الله، وسُمِّيت الزكاة زكاة؛ لأنها من التزكية بمعنى طهارة النفس، قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، وسُمِّيت الصلاة صلاة؛ لأنها وصل وصلة بين العبد وربه، فالمؤمن موصول بربه عبر الصلاة، فإذا تركها انقطعت الصلة بربه؛ لذا جعلها النبي الركن الثاني من أركان الإسلام في حديث “بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”، والمراد بالخمس خمس قواعد أو خمسة أعمدة، فالصلاة عماد الدين؛ لذلك فهي “أول ما يحاسب عليه العَبْدُ يَوْمَ القِيامةِ مِن عَمَلِه، فإن صَلَحَتْ فقدْ أَفلَحَ وأَنجَحَ، وإن فَسَدَتْ فقدْ خابَ وخَسِرَ، فإن انْتَقَصَ مِن فَريضتِه شيءٌ قالَ الرَّبُّ تَعالى: انْظُروا هلْ لعَبْدي مِن تَطَوُّعٍ، فُيُكَمَّلُ بها ما انْتَقَصَ مِن الفَريضةِ، ثُمَّ يكونُ سائِرُ عَمَلِه على ذلك”، وتركها أول سبب لدخول النار، قال تعالى: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين)؛ لذا كانت آخر وصية للنبي قُبَيل وفاته “الصلاة الصلاة”، أي حافظوا على الصلاة.

ــ ولأهمية الصلاة أوجبها الله على كل الأنبياء وأقوامهم، قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}، وكان إسماعيل {يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، وقال الله لموسى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}، وقال عيسى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}، وقال الله للنبي: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، والفعل (اصطبر) يدل على أن الصلاة فيها مشقة؛ فهي تحتاج إلى صبر شديد وقوة تحمل.

ــ فُرِضت الصلاة بالسماء في رحلة المعراج كما نصليها، حيث نزل جبريل في اليوم التالي فصلى بالنبي جميع الأوقات مرتين: مرة في أول الوقت ومرة في آخر الوقت، فكان ما بين الصلاتين هو توقيت الصلاة؛ لأنها (كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)، وكان أول فرض صلاه جبريل بالنبي هو الظهر، وقيل: فُرِضت ركعتين ركعتين إلا المغرب ثلاثا، ثم أُقِــرَّت صلاة السفر وزيد في صلاة الحَضَر (الإقامة) بعد الهجرة، وبقي الصبح ركعتين لتطويل القراءة فيه، وبقي المغرب ثلاثا لأنه وتر النهار، وجُعلت صلاة الليل جهرية وصلاة النهار سرية لسكون الليل؛ فهو أنسب لأن يُسمِع الإنسان نفسه مناجاة ربه بالقرآن فيزداد قلبه خشوعا، فيكون ثمة ارتباط بين القلب والجوارح في الإيمان والعمل؛ لذا مدح الله صلاة الليل فقال: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، أي عبادة الليل، وسميت ناشئة لأن العبد ينشئها لنفسه ليلا، تلك العبادة أكثر موافقة لإِصلاح القلب للقرب من الله، وقيلا : قولا، والمراد التلاوة، فهي أفضل تلاوة من عبادة النهار؛ لذلك قال الله لنبيه: (قم الليل) ولم يقل له: قم النهار؛ لأن النهار ينشغل فيه الإنسان بالمعايش؛ فينفلت في صلاته، فيؤثر ذلك على خشوعه، وللحديث بقية

زر الذهاب إلى الأعلى