عاجل

اَلْحُبّ اَلْمُسْتَنِيرِ اَلْوَاعِي لِطِفْلِكَ

 

أعدته وكتبته: د/ ياسمين ناجي

مدرس مساعد بقسم الصحة النفسية- كلية التربية- جامعة السويس

ذاتٌ ليلةٍ من الليالي وأنا جالسة وأسترخي من عناءِ تعبِ يومِ كاملِ في العملِ. سمعتْ في مقطعٍ على اليوتيوب طفل يقول لأمه «أَحَبَّكَ يَا أُمّي». برغمٍ أن تلك الجملةِ ليست جديدة على ذهني ولكنها راودت بداخلي أسئلةٍ، وحينها سألت نفسي كيف لطفلِ صغيرِ أن يقول تلك الجملة وكله ثقةً؟ وهل هذا الطفل الصغير الذي لم تكد أنامله تُقوى على شيء سوى التشبُّث بأمهِ يقولها وهو مدرك لما هو فيه من سعادةٍ وابتسامتهِ الجميلةِ التي تُغطي وجهه الصغيرُ لأمهُ؟

أدركت حينها أن برغم سهولةِ تلك الجُملةِ التي يُردِّدها هذا العنقودُ الصغيرُ ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني التي تُعبرُ عما بداخله من مشاعرِ جميلةِ وصادقةِ نحوِ أُمهِ.

فالحب هو أهم الأركان الأساسية اللازمة لنمو شخصية الطفل السوي، فالحب للطفل هو الغذاء النفسي الذي تنمو وتنضج عليه شخصيته، وكما يتغذى جسمه على الطعام فإن نفسه تتغذى على اَلْحُبّ والقَبُول، وكما أن جسم الطفل ينمو مع الغذاء الصحي، فإن نفسه أيضًا تنمو مع اَلْحُبّ الصحيح، اَلْحُبّ المُستنيرَ الواعي.

ولكن كيف يُتمِ ذلك اَلْحُبّ المُستنيرُ الواعي؟

ذلك النوع من اَلْحُبّ يقتضينا أن نبدأ أولاً بإحاطة الطفل بِجوّ من الدفءِ، دفءَ شعورنا وحنانِنا وإقبالِنا، وبإعطائه من أنفسُنا في سخاءٍ، فإن ذلك يملؤه ثقةً بنا واطمئنانًا إلينا، وبالتالي ثقةً بنفسهِ واطمئنانًا إلى العالمِ حولهُ، وهو أشدُّ الحاجةِ إلى هذه الثقة لكي تخطو الخطوة التالية في مسيرته نحو النضجِ.

هذا هو نوع اَلْحُبّ الذي يُساعد على نمو الثقةَ بالنفسِ، ويخلقُ في الفرد إحساسهُ الطيبَ نحو نفسهُ، ويؤدي إلى إحساسهِ بالرغبةِ الصادقةِ أن يُحاول ويُغامر في حياتهِ دون خوفٍ من نتيجةِ الفشلِ. هذا هو نوع اَلْحُبّ الذي يخلُقُ الأبطالُ، ويُساعد على نمو أطفالِ واعينَ مُدركين للحياةِ.

هذا الحُبُّ حيويٌّ وهامَ وضروريٌّ للطفل ولا سِيَّمَا في سنواتهِ العشر الأولى من حياته، وينبغي على الآباء منحهُ للطفل بسخاءٍ في هذه الفترة (وهذا لا يعني أن هذا اَلْحُبّ غير هامَ في مراحل العمر الأخرى من الحياة). ومما لا شكٌّ فيه أن معظم الآباء لديهم هذا الشعور بِالْحُبّ والحنانِ نحو أطفالهم. إِذن كيف يُمكنهم نقلُ هذا الإحساسِ إلى أطفالهم؟

لذا يُمكن للآباء التعبيرَ عن حُبّهمْ لأبنائهم بوسائلِ متعددةِ، وهُناك خمس طرقٍ يفهمُ بها الأطفال الحُبَّ العاطفيَّ ويتحدثون الحب من خلالها وهي:

♠ التَّلامسُ الجسديّ: التلامسُ الجسديّ هو أسهلَ لُغةِ حُبًّا يُمكن استخدامها دون شرطٍ، يَعُد التلامسُ الجسديّ لُغةَ حُبّ قويةٍ وعندما يتم التحدث بها بطريقةِ طبيعيةِ ومريحةِ، يصبحُ طفلكَ أكثرَ راحةٍ، ويقضي وقتًا أسهل في التواصل مع الآخرين، يستطيع الطفل الرضيع أن يُميز الفرقُ بين اللمساتِ الرقيقةِ وبين اللمساتِ القاسيةِ أو المزعجةُ.

♠ كلماتُ التوكيدِ: بعضِ الأطفالَ يشعُرون بأعظَم إحساسًا بالحُبِّ في التعبيرات اللفظية التي تُدعمهم، تُعد الكلماتِ قويةَ في توصيل الحُبِّ، فكلماتِ العاطفةِ والتحببِ وكلماتِ المديحِ والتشجيعِ كمطرِ لطيفِ ودافئ ينهمرُ على الروحِ.

♠ الوقتُ النوعيُّ: الوقتُ النوعيُّ هو الاهتمامُ الكاملُ والواضحُ الذي يمنحهُ الوالدان للطفل، فهو هَديةُ تواجُدٍ من الوالدين للطفل. العاملُ الأهمّ في الوقتِ النوعيِّ ليس الحدث نفسه، ولكن أنكما أنت وطفلك تفعلان شيئا معًا –وجودكما معًا، وهو أيضًا وسيلة لمعرفة طفلك بشكلٍ أفضلَ.

♠ الهَدَايَا: الهدايا رموز اَلْحُبّ، وغالبًا يمتد أثر الهدايا لسنواتِ لاحقةِ، من الضروري استخدام لُغات الحُبِّ الأخرى جنبًا إلى جنب مع الهدايا، يجب أن تتم تلبية احتياجات الأطفال العاطفية حتى يكون لديهم القدرة على تقدير الهدية بنفس الروح التي يتم إعطاؤها لهم. الهديةُ تعبيراتٍ صادقةٍ عن الحُبِّ ويتم تقديمها مجانًا من المانحِ.

♠ أعمالُ الخدمةِ: عبر عن حُبِكَ عن طريق أعمال الخدمة لأطفالكَ بعمل الأشياء التي لا يكونون قادرين على القيام بها بأنفسهم بعد، يجب أن تكون أعمال الخدمة مُلائمةَ لعمرُ الطفلِ، وألا يتم تقديم الخدمات بشكل دائمِ ومُستمرّ للأطفال لأن ذلك يُعيق نموهم ويجعلهُم عاجزينَ. في مرحلةِ معينةِ عندما يكون الأطفال مُستعدين، ينبغي أن نعلمهم كيف يخدمون أنفسهم ثُمَّ الآخرين. الهدف من تقديم أعمال الخدمةَ لطفلكَ هو تقديم الشيء الأفضل لمصلحةِ الطفلِ وليس إسعادهُ.

المراجع

– فهيم، كلير. (1975). الحب والصحة النفسية. ط2، القاهرة: دار المعارف.

– تشابمان، جاري وكامبل، روس. (2014). لغات الحب الخمس التي يستخدمها الطفل. الرياض: مكتبة جرير.

 

زر الذهاب إلى الأعلى