مقالات

7 في آيات الحج والعمرة 2

ـالحلقة الثانية

 

للاستاذالدكتور علاء  الحمزاوى جامعةالمنيا

متابعة ناصف ناصف
ـ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، لنا مع هذا الخطاب وقفات:
ــ الوقفة الأولى: أن هذه الآية هي أول خطاب في وجوب الحج، ودليل الوجوب حرفا الجر (اللام وعلى)، فاللام للاستحقاق أي استحقاق الحج لله، و(على) للإلزام أي إلزام الناس بالحج، والآية نزلت سنة 3هـ على الأرجح، ويُستنبَط من ذلك أن الحج واجب على التراخي؛ لأنه لم يتم إلا في السنة التاسعة، وحج النبي في السنة العاشرة، وقيل: إن الحج فُرِض في السنة التاسعة؛ لأن مكة قبل الفتح كانت تحت ولاية الكفار، ولا يُعقَل أن يوجب الله على المسلمين أمرا لا يطيقونه، ويمكن القول بأن الحج فُرِض في السنة الثالثة، وقُيِّد أداؤه بالاستطاعة، ولم يُتَح ذلك إلا في السنة التاسعة، إذ صارت مكة تحت ولاية المسلمين.
– الوقفة الثانية: قـُرئ متواترا {حـِجُّ} بالكسر و{حَـجُّ} بالفتح، وهما لهجتان عند العرب بمعنى واحد، وقيل: الحَج بالفتح القصد والإرادة، والحِج بالكسر القدوم والأداء، وكلا المعنيين مراد، فالله فرض الحج إرادة وفعلا، وقد أجمع القراء على الفتح في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ}؛ لأن المعنى أن الإحرام بالحج لا يصـحُّ إلا في هذه الأشهر، فمن أحرم فقد دخل في الحج وإن لم يقدم إلى البيت، وعليه فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.
ــ الوقفة الثالثة: معنى {الناس}؟ قيل: إن الخطاب عام لجميع الناس، فهم مكلَّفون بالحج، وكُفْر بعضهم لا يمنع تكليفهم بالحج؛ لأن المُحدِث مكلَّف بالصلاة مع أن الطهارة شرط لصحة الصلاة؛ لأن هناك فرقا بين التكليف بالعبادة وصحة العبادة، فلم يكن عدم الشرط مانعا من كون المخاطب مكلّفا بالمشروط، فالكافر مكلَّف بالحج لكن كفره يفسد حجّه، ويعضد ذلك قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، فهو نداء عام للناس، ولذلك كان الكفار يحجون قبل فتح مكة، والأرجح أن المقصود بـ{الناس} المسلمون؛ لأنهم المخاطبون بالقرآن، وعُبِّر عنهم بالناس للدلالة على العموم منذ نزول القرآن إلى قيام الساعة، وأكد النبي ذلك في قوله: “أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا”، فالخطاب موجّه للمسلمين بدليل أن النبي منع الكفار من الطواف بالبيت بعد فتح مكة.
ــ الوقفة الرابعة: أن من رحمة الله أنه ربط الحج بالاستطاعة، فقال: {من استطاع إليه سبيلا}، وهي تشمل الصحة والمال والأمن، فلابد أن يمتلك المسلم القدرة البدنية على السفر وأداء المناسك دون إحداث ضرر بصحته، ولابد أن يمتلك من ماله الخاص تكلفة الحج والإنفاق على أهله في غيابه، بالإضافة إلى أمن الطريق ذهابا وإيابا؛ ولذا ذهب بعض العلماء إلى أنه لا تصحّ النيابة في الحج لغير المستطيع، حيث تسقط عنه الفريضة، وله أن يوصي بالحج له بعد موته على أن يكون الحج نافلة بغية حصول الأجر، وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان المسلم يمتلك مالا يستأجر به من يحجّ عنه صار مستطيعا، ووجب عليه الحج، واستدلوا بحديث امرأة قالت للنبي: “إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخا كبيرا لا يَثبُت على الراحلة، أفيُجزئ أن أحُجّ عنه؟ قال: نعم، حُجّي عنه، أرأيتِ لو كان على أبيك دَيْن أكنتِ قاضيتَه؟ قالت: نعم، قال: فدَيْن الله أحق أن يُقضَى”، لكن قيل: إن الحديث لم يدل على الوجوب، بل هو حثّ على طاعة الأب والرب.
ــ وربْط الحج بالاستطاعة هو من باب التخفيف على العباد؛ لأن الاستطاعة مناط التكليف، والمشقة تجلب التيسير، فالتكليف مشروط بالقدرة، وقد وردت نصوص تؤكد هذا الأمر، كقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، و{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، و{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، و”إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق”، و”إذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم”، فكل هذه النصوص تؤكد رحمة الله بعباده.
ــثم انتقل الخطاب إلى التهديد قائلا: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، والمراد بالكفر الإنكار، فمَنْ أنكر فريضة الْحَجِّ فقد كفر بالله، وقيل: لما نزل قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} قالت اليهود: نحن مسلمون، فقال لهم النبي: “إِنَّ اللَّهَ فرض على المسلمين حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا”، فَقَالُوا: لم يُكتَب علينا، ورفضوا أن يحجوا، فنزل قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وكفر الإنسان أو إيمانه لا يضرّ الله ولا ينفعه بشيء، فالله غنيّ عن خلقه؛ لأنه الخالق الرازق الكريم القوي المعطي المانع، وجاء التعبير القرآني دقيقا في قوله: {العالمين} للتأكيد على أن الله غني عن البشر جميعا مؤمنهم وكافرهم في كل زمان، بل هو غنيّ عن الخلق جميعا من الإنس والجن والملائكة، وهم الفقراء إليه، وللحديث بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى