ثقافةدنيا ودينمقالات

 البكاء من خشية الله 

دكتوره شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية وآدابها الجامعة الإسلامية ولاية منيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية

متابعة/ ناصف ناصف

 الحمد لله الذي جعل القرآن تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين وجمع فيه أصول الدين وفروعه وأصلح به الدنيا والدين . وصلاة وسلاما على سيدنا محمد عبده ورسوله أكمل

الخلق وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .

• لا شك أن الهروب من النار والنجاة منها مطلب لكل مؤمن بالله

واليوم الآخر ، وفوق ذلك هو الفوز يوم القيامة ، قال تعالى :

” فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ” . (١)

• وهو أعظم فوز أن تزحزح أي تبعد عن النار وتدخل الجنة .

• عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله

– صلى الله عليه وسلم – يقول : ” عينان لا تمسهما النار : عين

بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ” (٢)

• يوجهنا النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث إلى سببين للنجاة من النار ، هما : البكاء من خشية الله ، والحراسة

في سبيل الله .

• والبكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس ،

وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة ، والعين التي تذرف

الدموع من خشية الله لن تمسها النار ، لأن العين تتبع القلب

، فإذا رق القلب دمعت العين ، وإذا قسى القلب قحطت العين .

وخشية الله : أي الخوف من جلاله وعظمته .

• قال الإمام ابن القيم ” رحمه الله ” : ” ومتى أقحطت العين

من البكاء من خشية الله تعالى ، فاعلم أن قحطها من قسوة

القلب ، وأبعد القلوب من. الله : القلب القاسي ” .

• وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ من. القلب

الذي لا يخشع ، فيقول : ” اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع

، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا

يستجاب لها ” (٣)

• كما أن البكاء من. خشية الله تعالى سبب للرحمة يوم العرض

على. الله – عز و جل – ، فعن. أبي. هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” سبعة يظلهم الله في. ظله

، يوم لا ظل إلا ظله … وذكر منهم : ورجل ذكر الله. خاليا

ففاضت عيناه ” (٤)

• عين باتت تحرس في. سبيل الله :

• تعد. الحراسة في سبيل الله من أعظم مراتب الجهاد ؛ لأن الحراس إما أن يكونوا في مقدمة الصفوف لقتال الأعداء ، أو

يسهرون بالليل لحماية الجيش من الأعداء ، يقول. الإمام ابن

النحاس : ” اعلم أن الحراسة في الله من أعظم القربات ، وأعلى

الطاعات ، وهي أفضل أنواع. الرباط ، وكل من حرس المسلمين

في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط .

• وقال. الإمام المناوي : ” سوى بين العين. الباكية والحارسة ؛

لاستوائهما في سهر الليل لله ، فالباكية بكت في جوف الليل

خوفا لله ، والحارسة سهرت خوفا على دين الله .

• من فوائد الحديث :

• أن النار لا تمس عينا بكت خوفا من الله تعالى ، فعندما يتذكر

الإنسان عظمة الله وقدرته على عباده ويتذكر حاله وتقصيره

في حق الله تعالى ، فيبكي رجاء رحمته وخوفا من عقابه وسخطه ، فهذا موعود بالنجاة من. النار .

• وعين أخرى ” لا تمسهما النار ” ، وهي : من باتت تحرس في

سبيل الله تعالى في الثغور ومواضع إلا قتتال حفاظا على أرواح المسلمين .

• وقوله : ” لا. تمسهما النار ” هذا من إطلاق لفظ الجزء وإرادة

الكل ، والمراد : أن من بكى من خشية الله تعالى ومن بات

يحرس في سبيل الله ، فإن الله تعالى يحرم جسدهما على النار .

• فضل البكاء من خشية الله والحراسة في سبيل الله لما فيهما

من. صدق. الإيمان. وكمال المراقبة .

• ” سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم “

———————————————:

(١) سورة : آل عمران : مدنية من الآية ١٨٥ .

(٢) رواه الترمذي وحسنه ، وصححه الألباني . (٣) رواه مسلم .

(٤) رواه. البخاري ومسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى