مقالات

المقال الاسبوعى الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية

اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ

نقله لكم ناصف ناصف

الصدق مطلب أساس في حياة المؤمن، وهو رأس الفضائل، وعنوان الصلاح والفضل. أثنى الله تعالى على مَن لزمه فصار له خُلقًا، بالصدق يتميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران. وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من اعتمده سما قدره وعلت مكانته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته وظهرت حجته. وأمر الله تعالى به فقال سبحانه: ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ “التوبة-119 , وقد ربط صلى الله عليه وسلم بين صدق اللسان وسلامة المنطق وبين الصيام الحقيقي فقال: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” . فالصوم يغرس في نفس المسلم هذه القيمة العظيمة لتكون سلوكاً في حياته، وصفة من صفاته؛ فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته طاعة لله، ويستطيع أن يأكل ويشرب ويظهر لمن حوله أنه صائم؛ لكن منعه من ذلك الصدق مع الله. والصائمُ هو الذي صامت جوارحُه عن الآثام، ولسانُه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنُه عن الطعام والشراب، وفرجُه عن الرَّفث، فإن تكلَّم لم يتكلم بما يجرحُ صومَه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومَه، فيخرج كلامه كلُّه نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله.

لأن الصدق والإخلاص لله في العبادة، يعني ـ في جوهره وحقيقته ـ التحرر من الخضوع، لكل قوة من ـ دون الله ـ مهما بلغت، وبذلك كان الصوم، وسيلة لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، ومن عبودية العادات، والشهوات.  

والصدق هو قول الحق، والالتزام به، ومطابقة الكلام للواقع، وقد أمر الله -تعالى- بالصدق، فقال: ” اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” ، ووصف الله نفسه بالصدق، وكفى به شرفاً، قال -تعالى-: “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلَاً”

فما أحوجنا اليوم إلى أن نعود إلى خلق الصدق، ونستفيد من رمضان ومن عبادة الصيام في تربية النفوس عليه، في زمن أصبح هذا الخلق غريباً ومفقوداً في كثير من جوانب حياتنا، إلا 

مَن رحم الله. إن هذه الأمة أمة صدق، ومتى ما تخلى أبناؤها عن هذا الخلق ظهرت الخيانة، وضاعت من حياتهم الأمانة، وظهر بينهم التنازع والفشل، وتسلط عليهم العدو، وسقطوا من عين الله وعيون الناس. ويكون الصدق في الأقوال، وفي الشهادة، وفي النصح والدلالة على الخير، والتحذير من الشردليل المسلم في كل وقت وحين خاصة في شهر الصيام فلا يكذب المسلم في حديثه مع الآخرين، وقد عدّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك من أكبر الخيانات، فقال: “كَبُرَتْ خيانة أن تحدِّث أخاك حديثًا، هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب”. كما حذر عليه الصلاة والسلام من شهادة الزور، وقول الزور، وعدَّهُ العلماء من كبائر الذنوب.

وما أكثر ما تضيع الحقوق والأموال، ويرتكب الظلم، وتطمس الحقائق؛ بسبب قول الزور، وشهادة الزور!.و الصوم يعلمنا الصدق بكل معانيه، فمَن صَدَقَ مع الله في عبادته فلا بُدَّ أن يصدق مع خلقه في سلوكه ومعاملاته.

أ .د /مفيدة إبراهيم علي عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى