ثقافةصحيفة المواطنفنمقالات

المخادعان

قصة قصيرة للأديب/ محمد الشرقاوي

أضواء خافتة متعددة الألوان متداخلة الاتجاهات توحي بجو شاعري بعيد عن صخب الحياة وصراعها ، أنغام موسيقية هادئة تعيد الأذن نحو الصفاء والنقاء ، حركة دائبة تؤكد انتظار حدث غير عادي ، هنا في هذا الركن الخاص في الطابق الرابع من المطعم السياحي الشهير الذي يعانق النيل من ثلاث جهات تفصح كل واحدة منها عن منظر جمالي وحضاري لا يسعد برؤيته إلا الصفوة من كبار العملاء والشخصيات العامة ورجال الأعمال المشهورين والفنانين والزوار من خارج البلاد ، كانت تلك الاستعدادات الكبرى تجري على قدم وساق .

وصل الضيفان يحيط بهما الحراس من جميع الاتجاهات ، تبدو عليهما الأناقة لدرجة التكلف الزائد في المظهر ، ساعتان ذهبيتان في يديهما ، سلاسل ذهبية حول عنقيهما ، مدير المطعم وكبار المسئولين يقفون صفا لاستقبالهما ، مصافحة سريعة يتجهان بعدها نحو المنضدة الخاصة في الركن المعد لهما ، الدهشة والانبهار يسيطران على جميع العاملين ، يتهامسون بفرحة غامرة : ليتنا نستطيع التقاط صورة معهما ، يقول أحدهم سأحاول عرض الأمر على السيد المدير راجيا منه الموافقة ، فتلك فرصة ربما لن تتكرر .

تستعد المائدة لاستقبال أصناف وأشكال وألوان من الأطباق الشهية التي أعدها العاملون واجتمعت فيها خبرتهم الطويلة بكل حرص وكفاءة ، فهذه لحوم ، وتلك دواجن ، وأخرى بط وهناك أرانب ، أما الحلويات ، فقد تم إعداد كمية ضخمة منها شرقية وغربية بخلاف انواع العصائر والفواكه من أرقى الأنواع ، ما زال الشيف سامح رئيس قسم المطبخ يقوم بنفسه بوضع اللمسات الأخيرة لظهور لوحة فنية غذائية تنال رضا الضيفين الكبيرين ، لكنه ظل يتسائل : من هما ؟ وما كل هذه الأطعمة التي تكفي أكثر من خمسين شخصا ؟ ربما سيأتي معهما ضيوف آخرون ، لكن العاملون يؤكدون له أن الضيفين اثنان فقط من الشخصيات الإعلامية المشهورة عالميا ، يتعجب قليلا ولكنه يواصل عمله .

يبدأ الضيفان تناول الطعام بينما تحيط بهما نظرات طاقم العمال الذين وقفوا مستعدين لأي إشارة منهما ، ينظر الشيف سامح من بعيد ليرى من هما ، وعندما تقع عينه عليهما يصاب بالذهول الشديد ، فهذان هما الإعلاميان المعروفان عامر الخطيب و حماد الخطيب ، يا لها من صدمة قوية ، ماذا أرى ، يا لهما من مخادعين كبيرين ، لقد أرهقا أسماعنا لسنوات طويلة بدعواتهما إلى التقشف والتحمل والصبر على ظروف الحياة الشديدة القسوة ، لقد أقنعانا من خلال برامجهما بأن السعادة في الفقر والصمت والرضا بالقليل ، ثم يواصل همسه قائلا : لم أكن مصدقا ما قيل عن حياة هذين وأمثالهما قبل تلك اللحظة ، والآن أجزم أنهما مخادعان كبيران لا يعلمان شيئا عن معاناة الناس .

تأتي البشرى على لسان أحد العاملين : لقد وافق الضيفان على التقاط بعض الصور معنا وذلك بعد طلب من المدير شخصيا ، يتسابق العاملون لتلك الأمنية بحرص شديد على جمال المظهر بينما يقف الشيف سامح رافضا الظهور في تلك الصور وتخرج من عينيه نظرات كالسهام الصائبة بينما يفكر في جيرانه الذين ينتظرون ما يتبقى من أطعمة في المنازل المجاورة ، يقول بصوت هامس : إن فاتورة حساب وجبة واحدة لشخصين فقط تتجاوز عشرة آلاف من الجنيهات ، حسبنا الله ونعم الوكيل .

زر الذهاب إلى الأعلى