تحقيقاتتكنولوجيامقالات

هل يقوض الفساد معتقدات وقيم مجتمع التحول

بقلم د/ حنان عبد القادر محمد

في اَلْوَقْت الحَاضِر تَظهر كَلِمَة “فَساد” دائمًا في مُعْظَم عَناوين الأخبار في وسائل الإعلام اَلْمُخْتَلِفَة، وبِصرف النظر عن العمل كَمُتَطَلَّبَات أساسية للحياة وللديمقراطِية، فإن اَلْوُصُول إلى المعلومات والشفافية هي أدوات أساسية في مُكَافَحَة الفَساد الذي يُؤَدِّي إلى الانفتاح وتكافؤ اَلْفُرَص لِكُلّ القطاعات اَلْمُخْتَلِفَة، فظهور هذه الأدوات لديه اَلْقُدْرَة على دفع أجندة مُكَافَحَة الفساد إلى الأمام من خِلال إحداث ثورة في أساليب الكشف عن الفساد والوقاية مِنه وتحليله، ففي الوقت الحاضر، يُشَكِّل الفساد الإداري والمالي تحديًا لِلْمُجْتَمِعِ ككل وَتُدْرِك اَلْحُكُومَات في جميع أنحاء العالم جيدًا أن الفساد ضار للغاية ولا يعرف حدودًا وَيُمْكِن أن تصل المشكلة اقتصاد الدولة، وتعوق التنمية، وَتُقَوِّض سِيادة القانون، وتٌؤدي إلى تهديدات أخرى للأمن القومي، وخَاصة في حَال افتقار اَلْمُرَاقَبَة وَالْمُسَاءَلَة من قِبل الدولة للمسببين ابتدأ من الإدارات العليا إلى أقل مسئول.

وحَيث أنه باستخدام اَلطُّرُق التقليدية في العَمل كان من الصعب كشف الفساد بِسبب اَلْكَمِّيَّات الكَبيرة مِن البيانات، ومع ظُهُور التحول الرقمي والذي أدى لاستخدام تِقْنِيَّات جَديدة لإدارة البيانات لمنع الاحتيال وإساءة الاستخدام في القطاعات اَلْمُخْتَلِفَة، أصبحت تَحليلات الاحتيال الآن قَادرة على اكتشاف أنماط اَلْمُعَامَلَات المشبوهة في مجالات عَديدة، ومع الكشف في الوقت الفعلي، تمكنت القِطاعات مِن اكتشاف الاحتيال وإيقافه وَمُعَالَجَته مما أدى إلى تَوفير المِليارات مِن اَلتَّكَالِيف اَلْمُحْتَمَلَة. حَيث تَعمل الدول أيضًا على تَطوير أساليب جَديدة لتطوير البيانات وَمُشَارَكَتهَا مِثل اَلسَّحَابَات الإلكترونية التي تَهدف إلى تَحسين جَودة المعلومات وتقليل تكاليف إنتاج البيانات العَامة، فالتقدم التٌكنولوجي أدى إلى وُصُول سَريع وغير مسبوق إلى كَمِّيَّات هَائلة مِنْ البيانات عن اَلْمُجْتَمَعَات والاقتصاد والبيئة. وَلِمُوَاكَبَة ذلك فإن الحكومات وَالْمُنَظَّمَات وَالْمُوَاطِنِينَ في حالة جديدة من التجريب والابتكار والتكيف، فثَورة البيانات التي تُشِير إلى كميات البيانات اَلْمُتَاحَة الآن والابتكار التٌكنولوجي، لديها اَلْقُدْرَة على مُعَالَجَة القَضايا الرئيسية في اَلْمُجْتَمَع بما في ذلك الفَساد.

حيث يتم استخدام اَلتِّكْنُولُوجْيَا لخلق الشفافية عَبر اَلْمُؤَسَّسَات من خِلال زيادة الأتمتة والدقة والتكرار عبر العمليات، وأصبحت دول العالم التي تَسعى للقضاء على الفَساد هِي في طَليعة هَذه الثورة لتطوير برامج مُبْتَكَرَة لكشف وردع الاحتيال والتواطؤ، ستؤدي البيانات التي يسهل الوصول إليها بِشكل أفضل جودة إلى تحسين قرارات السياسات ومزيد من اَلْمُسَاءَلَة، وسيتم دمج ثورة البيانات في التزامات التنمية اَلْمُسْتَدَامَة، حيث يتضمن ذلك مشاركة اَلتِّكْنُولُوجْيَا والابتكار من خِلال أدوات مِثل البيانات اَلضَّخْمَة والشبكات المتقدمة والبنية التحتية اَلْمُتَعَلِّقَة بالبيانات لتَحسين الكفاءة وَمُعَالَجَة مشاكل اَلْقُدُرَات وتَحديد الفَجوات اَلْحَرِجَة وزيادة التعاون وخَلق حَافز للابتكار من أجل اَلصَّالِح العَام، حَيث يَتم استخدام التحليل التنبئي والتصورات التي تُحَدِّد الاتجاهات والأنماط والعلاقات في كميات هَائلة من البيانات لاكتساب رؤى قيمة وتطوير مجال العمل.

وَهُنَا عزيزي القارئ لعَلك تَتساءل هَل يقوض الفَساد اَلْمُعْتَقَدَات والقِيم الأخلاقية في اَلْمُجْتَمَع وهَل يَزيد مِن تَكاليف تنفيذ المَشاريع وَيُعِيق نمو اَلْقُدْرَة التنافسية، هَل وجوده يُؤَدَّى ببعض اَلْمُوَظَّفِينَ الذين يَعملون بجد وابتكار وتميز لليأس من عدم إمكانية التقدم وعدم الأخذ بمبدأ تكافؤ اَلْفُرَص في جميع المجالات وخاصة الترقيات واختيار قِيادات الوظائف اَلْمُخْتَلِفَة، وماذا يعنى الفساد.

في البداية يَجب أن نَعلم أن هُنَاكَ تَعريفات كَثيرة مِنها أن كَلمة “فَساد” مُشْتَقَّة من الكلمة اللاتينية “corruptus” والتي تعني تالفًا. في قانون اَلْمُصْطَلَحَات، فهو يُشِير إلى إساءة استخدام مَنصب موثوق به في أحد فروع اَلسُّلْطَة بِقصد اَلْحُصُول، لنفسه أو للآخرين، على مكاسب مَادية غَير قَانونية مُبَرِّره، والفساد الإداري من أكثر أشكال الفساد انتشاراً في جَميع فروع الدولة.

والفساد الإداري يتعلق بمظاهر الفساد والانحراف الإداري أو الوظيفي من خِلال اَلْمُؤَسَّسَة والتي تصدر من اَلْمُوَظَّف العَام أثناء تأدية العمل بمخالفة التشريع القانوني وضوابط القيم الفردية، أي استغلاله لموقعه وصلاحياته للحصول على مكاسب ومنافع بِطُرُق غير مشروعة، فهو سُلُوك يُخَالِف الواجبات الرسمية للمنصب العام تَطَلُّعًا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. وَهُنَاكَ اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته “منظمة الشفافية الدولية” بأنه كُلّ عَمل من مسئول يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة لنفسه أو جماعته وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، فهو مُشْكِلَة تصارع معها جميع دول العالم إلى حد أكبر أو أقل. ومع ذلك، يختلف نوعها وعمقها وحجمها من بلد إلى آخر تمامًا كما تختلف آثارها اعتمادًا على نوع الهيكل السياسي والاقتصادي ومستوى تطور الأمة، على أي حال، يؤدي الفساد إلى الانحلال، ويضع سياسات المؤسسات ضد الموظفين، ويبدد موارد المؤسسة، ويقلل من كفاءة المؤسسات في الإدارة، يؤدي هذا إلى تآكل ثقة الموظفين في المؤسسة ويزيد من اللامبالاة وعدم الكفاءة في المجتمع.

فمثلا لو تكلمنا عن معايير اختيار الموظفين والقيادات وهي تمثل أكبر مشكلة تقابل الدول فالاختيار العشوائى والسيئ للقيادات تمنعها من التقدم إذا تم اختيار أصحاب المصالح دون الخبرات، فتجد في الغالب يتم عمل مسابقات ولجان واختبارات تُكَلِّف اَلْمُؤَسَّسَة مبالغ باهظة لاختيار الأكفاء الذي يَستحق وَفْق معايير يَكفلها القانون وفي النهاية تكون الكارثة وهي أن يتم الاختيار وفق مصالح خاصة في الغالب، والنتيجة تكون دمار للمؤسسة من جميع النواحي لأن أغلب من تم اختيارهم لن يستطيعوا إتقان العمل بالشكل الذي يرفع من شأن المؤسسة. وحل ذلك يكمن في استخدام اَلتِّكْنُولُوجْيَا لخلق الشفافية فهي التي تجعل كل متقدم يعلم مستوى درجاته إلكترونيا في نفس الوقت دون أن يكون هُنَاكَ مجال للعبث بالدرجات وحتى المقابلات ودرجات لكل ما حصل علية من شهادات وخبرات وغيرها، فلا يستوي من ذاكر واجتهد وتعلم وأنجز مع غيرة.

فمتى يتم وضع معايير تفسيرية متدرجة بشفافية ينال بها من اجتهد وعمل وتعلم نصيبه من المكانة التي تناسبه، لقد أصبح الإصلاح عمليات دائبة ومستمرة، في التطوير والتغير الإيجابي، ويستغرق جهود كل المخلصين من أجل إنقاذ الأجيال وحماية الأوطان وينبثق ذلك من عقيدتنا وثقافتنا وهويتنا وقياداتنا المخلصة، فالفاسدون لن يبنوا وطن إنما هم يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم! فالفساد يطول عمره كلما انسحب الشرفاء من الميادين وتخاذلوا فيفسحون المجال للفاسدين، ولذلك كانت النتيجة التى نراها يومياً فى مسلسل الفساد، فيجب الإصلاح كما جاء في قوله تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117).. وللحديث بقية.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى