ثقافة

« لعنة الفراعنة » قصة قصيرة

بقلم #سمير_لوبه

صديقي أحمد الذي يأنسُ لحديثي في علمِ المصرياتِ واللغةِ المصريةِ القديمةِ من أهلِ الصعيدِ ، في تلك الأيامِ يكثرُ من الأسئلةِ حولَ الحفرياتِ وما يتمُّ اكتشافُه كل يومٍ من آثارٍ ، ومحاولاتِ البعضِ التنقيبُ عنها خلسةً ؛ ربَّما حقق الثراءَ جراءَ العثورِ على خبيئةٍ أو برديةٍ مدون عليها أسراراً للمصري القديمِ ، لقد عاد أحمد لتوه من زيارةِ الأهلِ في الصعيدِ ، وكلُ حديثِه ينصبُ في هذا المنحى لا يملُّ ولا يكلُّ من تلك الرواياتِ التي يحلمُ أن يطرقَ الحظُ بابَه ؛ ويعثرُ على ما يغيرُ به مجرى حياتِه ، ويعيشُ عيشةَ الثراءِ ، وإذا بي ذات يومٍ أفتقدُه ، أعلمُ بسفرِه المفاجئ للصعيدِ ، فلا أعبأ ؛ فقد اعتدنا سفرَه المتكررَ في الآونةِ الأخيرةِ مع ملاحظةِ التغييرِ الذي طرأ عليه ، فقد صار شارداً معظم الوقتِ ، لا يهتمُّ بمظهرِه ، وفي إحدى الأمسياتِ تلحُّ عليَّ الرغبةُ في الاتصالِ تليفونياً للاطمئنانِ على حالِه ، فإذا برنينِ هاتفي يخترقُ سكونَ أمسيتي الهادئةِ ، إنه أحمد :- ألو.. أينَ أنت ؟! لماذا غبت كلَ هذه الفترةِ في قريتِكم يجيبُني بصوتٍ هامسٍ :- لابدَّ أن تأتيني في أسرعِ وقتٍ .- حاضر .. حاضر .. اهدأ ماذا حدث ؟ ! قل لي . يجيبُني بصوتٍ متقطعٍ ، تكادُ أنفاسُه المتلاحقةُ تخرقُ سماعةَ الهاتفِ يتملكُني قلقٌ شديدٌ عليه : – من فضلِك .. اتركْ كلَ شيءٍ وتعال بسرعةٍ . ينقطعُ الاتصالُ فجأةً ، وتفشلُ كلُ محاولاتي في معاودةِ الاتصالِ ، وتمرُّ ساعاتُ الليلِ متثاقلةً ، وأنا مشغولٌ بغموضِ المكالمةِ ، وما أن تنشقَ السماءُ عن صباحٍ جديدٍ حتى أسرعَ للعملِ طالباً الإذنَ للسفرِ ؛ فلربَّما زميلي في ضيقٍ ؛ فأكونَ إلى جوارِه ؛ ليتجاوزَ محنتَه ، تصلُ الحافلةُ بعدَ ساعاتٍ موقفَ السياراتِ ، أجلسُ على مقعدٍ حجري ؛ فقد أنهكتني ساعاتُ السفرِ ، يرنُّ هاتفي ، أحمد يكلمني ، ولكنَّ هذه المرةَ بصوتٍ متأنٍ له صدى ، وكأنَّ الصوتَ خارجٌ من بئرٍ عميقٍ ، يطلبُ مني أن أبحثَ عن سيارةٍ خاصةٍ وأطلبُ من السائقِ أن يوصلَني إلى المقابرِ في الطريقِ القديمةِ ، وسيجدني في انتظارٍه هناك ؛ فمنزلُه متاخمٌ للمقابرِ في الطريقِ القديمةِ ، باءت كلُ محاولاتي بالفشلِ كي أفهمَ كلَ ذلك الغموضِ ، يؤكد لي أنه سيخبرني بمجردِ أن يلقاني ، وبالفعلِ سألت المنادي عن سيارةٍ خاصةٍ ولكن الجميعَ يرفضُ الطريقَ القديمةِ ، والوقتُ يداهمُني ، والليلُ يزحفُ وأنا ما زلت في الموقفِ في حيرةٍ وقلقٍ لا سيَّما الاتصالَ على أحمد صار غيرَ متاحٍ ، وإذا بمنادي السياراتِ فجأةً يخبرُني أنَّه وجد من يوصلني ، رجلٌ مسنٌ يرتدي معطفاً رثاً وقبعةً صوفيةً باليةً ، السيجارةُ بينَ شفتيه ينفثُ دخانَها ،والسيارةُ متهالكةٌ ولكن ما باليدِ حيلةً ؛ فقد دخلَ الليلُ وليس أمامي إلَّا الرضوخُ والقبولُ بركوبِ تلك السيارةِ ، وما إن انطلقت وبدا أمامي طريقٌ ضيقةٌ مظلمةٌ ، يبادرُني بلكنتِه الصعيديةِ متسائلاً – من أينَ أنت يا أستاذ ؟ – الإسكندرية – وهل جئت في زيارةٍ أم عملٍ ؟ – والله لي زميلٌ من أهلِ البلدِ ، وقد دلَّني أن أنزلَ عندَ المقابرِ في الطريقِ القديمةِ ؛ ليلقاني هناك – أكيدٌ هو من أهلِ القريةِ المتاخمةِ للمقابرِ ، فتلك الطريقُ لا يلجأ إليها إلَّا من يقطنُ قبلي القريةِ ؛ ليختصرَ المسافةَ ، ولكن نادراً أن تجدَ من يتخذُها طريقًا في الليلِ ، ولولا عودتي لقريتي القريبةِ منها ، ما وجدت من يقلُك في مثلِ هذا الوقتِ من الليلِ إلى الطريقِ القديمةِ .. تتملكُني الريبةُ من حديثِ الرجلِ : – وهل في ذلك ما يزعجُ ؟! – أبدًا حكاياتٌ ينسجُها خيالُ الناسِ ، ولكن هي مجردُ طريقٍ قديمةٍ هجرها الناسُ ، ونادرًا ما تجدُ فيها بشرًا لاسيَّما وقتَ الليلِ ، هل سينتظرك زميلُك ؟ – آملُ في ذلك – ها قد وصلنا – الظلامُ دامسٌ ، ولا أثرَ لأحدٍ ، المكانُ موحشٌ جداً – ربَّما كان زميلُك ذلك الواقفَ هناك على حافةِ المقابرِ- نعم هو .. أشكرُك جداً – مع السلامةِ .. زيارةٌ سعيدةٌ تنطلقُ السيارةُ ، وقد امتدت أنوارُ مصابيحِها على الطريقِ ، وعيني على زميلي أشيرُ إليه ؛ فيبادلُني الإشارةَ ، أتوجهُ إليه وفي إحدى يديه مصباحاً وفي يده الأخرى فيما يبدو لفافةٌ ، يتلفتُ حولَه في ريبةٍ : – ماذا بك ؟! – انظرْ ماذا وجدت تحتَ منزلِنا القديمِ .. آثارٌ ومعها تلك البرديةُ ؛ استدعيتك على عجلٍ لتقرأ ما كُتبَ فيها من اللغةِ المصريةِ القديمةِاعترتني الدهشةُ ، وأنا ممسكٌ بالتمثالِ الذهبي الصغيرِ ، أحاولُ قراءةَ البرديةَ ، يلحُّ عليَّ سؤالٌ :- ولماذا لم تخبرْ المسئولين بما وجدت ؟! – لا يمكنُ .. أنت لا تعرفُ كم كلفني الأمرُ ، لن تتخيلَ ما عانيتُه لأصلَ لتلك الخبيئةِ .- وهل هناك أكثرُ من ذلك – مقبرةٌ كاملةٌ بكلِ ما تحوي ، وكانت البرديةُ فوقَ التابوتِ ، ولم أشأ أن أبدأ في تصريفِها قبلَ أن أفهمَ ما جاء فيها ، وأنت الوحيدُ الذي أثقُ فيه ، وتجيدُ قراءةَ اللغةِ المصريةِ القديمةِ ؛ لأعرفَ سرَ المقبرةِ ، ومن صاحبُها . – ولكن في ذلك خطورةٌ عليك – لا تهتمُ .. فقطْ اقرأ لي البرديةَ ؟ رفع يدُه بالمصباحِ القديمِ ؛ كي أتمكنَ من القراءةِ ، فإذا بها وقد كُتبَ عليها ” فلتواجه مصيرَك . لن يغيرَ موتُك شيئاً . لن يختلَ توازنُ الكونِ لفراقِك ؛ ستغيبُ مثل ريشةٍ عصفت بها الرياحُ أو حبةِ رملٍ غاصت في أعماقِ الأرضِ ولم يعدْ لها أثرٌ فوقَه ” أرفعُ عيني من على البرديةِ ، أجد أمامي أحدٌ ما ، قد انشقَّ عنه الظلامُ تضئ عيناه الواسعتان مثل عيني ذئبٍ تلمعُ في الظلامِ الدامسِ ، متكفنٌ بشرائطِ الكتانِ ، وقد غرس أظفاره في رأسِ أحمد تسيل الدماءً ، يغوصُ زميلي إلى جوفِ الأرضِ ، فإذا بقوةٍ خفيةٍ تدفعُني خارجَ المقابرِ ؛ لأطيحَ أرضاً في الطريقِ القديمةِ ، أطلقُ قدمي للريحِ تتسارعُ دقاتُ قلبي ، فإذا بضوءِ سيارةٍ قادمةٍ ، توقفت ؛ لأجدَ السائق نفسَه الذي أقلني ، أركب وينطلقُ تعلو ضحكاتُه تشقُ السكون المطبق ألتفت فإذا بذاتِ المومياءِ تقودُ السيارة ، أصرخُ يُبحُ صوتي ينعقدُ لساني .. فإذا بيدٍ تربتُ على كتفي أفزعُ مكاني ، وإذا بي مازلت في الموقفِ قد غفوت على المقعدِ الحجري أتلفتُ حولي ، لأجدَ أحمد يقفُ أمامي في الزي الصعيدي – آسفٌ تأخرت عليك – يبدو أنني غفوت قليلاً .. وحلمت أيضاً – بم يا تُرى ؟! – وكأنَّني في رحلةٍ نيليةٍ أستمتعُ بأجواءِ الصعيدِ الرائعةِ في الشتاءِ .. ولكن أخبرني ماذا بك ؟ هل أنت بخيرٍ ؟! – الحمدُ لله .. عُرسُ أخي بعد يومين ، فوجدتها فرصةً أن أدعوك له ، وتشاهد أثارَ مصرَ القديمةِ التي تهواها ، الآن نبحثُ عن سيارةٍ لنركبَها يحملُ أحمد حقيبتي متأبطاً ذراعي بقوةٍ ، يقفُ أمامَ سيارةٍ فتعقدُ المفاجأةُ لساني ؛ إنَّها ذاتُ السيارةِ والسائق نفسُه !! – ممكن توصلنا عندَ المقابرِ في الطريقِ القديمةِ ؟

زر الذهاب إلى الأعلى