ثقافةعاجلمقالات

إغتيال الذوق العام

كتب : محمد العليمي

عندما سأل أحد الصحفيين الأديب الكبير عباس العقاد: من منكما أكثر شهرة، أنت أم شكوكو؟!رد العقاد باستغراب: “مين شكوكو؟ “.. ولما وصلت القصة لشكوكو قال للصحفي: ” قول لصاحبك العقاد ينزل ميدان التحرير، ويقف وسأقف على رصيف مقابل، ونشوف الناس هتتجمع على مين؟! هنا رد العقاد: قولوا لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف ويخلي “رّقاصة” تقف على الرصيف الثاني ويشوف الناس “حتتلم” على مين أكتر. العقاد بكلماته الموجزة لمس واقع صادم نعيشه، فليس كل مشهور ذو قيمة، بل في كثير من الأحيان تجد انه كلما بالغ الإنسان في الإسفاف والابتذال، كلما ازدادت جماهيريته وشهرته، وبالنظر لحاضرنا فنتمني عودة إسفاف الخمسينات الجميل، الذي يعد تراثاً جميلاً مقارنةً بما نعيشه اليوم من ابتذال حقيقي، فالناس أصبحت تميل للسطحية وهذا ليس بجديد، لكن للأسف لم يحقق الإسفاف والإبتذال انتصاراً ساحقاً وواضحاً إلا في عصرنا الحالي، فاتحاد وسائل التواصل الإجتماعي واليوتيوب مع الرأسمالية دفعت بالتافهين إلى أن يتصدروا المشهد الثقافي والإعلامي الذي نعيشه وأصبح كل شيء مباح في مقابل تحقيق الربح المادي.لقد تغير الزمن والتافهون حسموا المعركة وأمسكوا بكل شيء، وانقلبت المفاهيم وتلاشت القيم والمبادئ في المجتمعات، وتحولت العديد من المنصات الإعلامية إلي أبواق إعلانية، والأسوأ ان مفاهيم ومقاييس النجاح في حياتنا قد تغيرت، فالنجاح أصبح يعني الشذوذ لا التميز، وصارت القاعدة الأولى والأخيرة هي المكسب المادي وكثرة المصفقين والمهللين، وتناسينا ان ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﺑﺎﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍلتي نضيفها ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ، فبعد منولوج شكوكو واسماعيل ياسين، وبعد عمالقة الأغنية الشعبية رشدي والعزبي وصلنا لزمن التلوث السمعي ومهرجانات عنبه وكزبرة وحنجرة وشطة وحمو بيكا ومع كل انهيار وانحدار جديد، نتعلم درساً أكيداً، لم يفطن له العديد وهو أن الفن الهابط وإعلاء شأن الهابطين هو أخطر أدوات تدمير الشعوب، ولو أطل علينا العقاد اليوم لتمني ان يتوقف بنا الزمن عند حقبة شكوكو الجميلة وما سخر منه ومن ما يقدمه أبداً.ومع ما وصلنا إليه من حال، أتمني ان تعزز الدولة المصرية من دورها، وكما استطاعت القضاء علي العديد من العشوائيات السكنية، أتمني ان تستطيع ان تتصدي للعشوائيات الفكرية والملوثات السمعية التي تحيط بنا وتسبب انحطاطا فى الذوق العام وانعداما لمعايير الفن المصرى الأصيل الذى تسيدت به مصر طوال سنواتها للفن والثقافة فى العالم العربي، وأصبح لزاماً على الدولة ان تتصدى لهذا التلوث بكل قوة، فهذا الخطر يفتك بالمجتمع كما الإرهاب، بل هو إرهاب مستتر مقصده ضرب المجتمع من الداخل ونخر قيمه وأصالته.

زر الذهاب إلى الأعلى