ثقافةعاجلمقالات

الهروب من قسوة الحياة إلى شاطئ الحب والنجاة

بقلم – طارق سالم

كل منا مر بمراحل الحياة منذ ولادته فالكل كان في فرح وسرور وسعادة عند رؤيتك وتسعد العين والابتسامة لا تفارق الوجوه والأيدي تتسابق على حملك بلطف وحب وحنان وتمر الايام والسنين فتصبح طفلا مدللا وطلباتك كلها أوامر والكل يتسابق على تجميل شكلك ومظهرك لأنك قنديل من قناديل البيت التي تشع النور والحياة والأمل في غدا يحمل كل معانى العطف والمودة والتراحم .• وعندما تمر عليك مرحلة الشباب والرجولة تصبح خطواتك مباركة ممن حولك والكل يتطلع إليك بعين حامدة وقلب فرح مسرور بك وتعد من اصحاب الكلمة والرأي وأنت تنمو ببدنك وفكرك بين أفراد أسرتك ومجتمعك حتى تكون قادرا على مواجهة الحياة بكل حيوية ونشاط وأنت بداخلك كل الحب والحنان المكتسب منذ صغرك ممن حولك الذين زرعوا بداخلك الصدق والأمانة وحب الأخر وأن تكون شخصية يملئها الأمل والتطلع لغد أفضل ومستقبل يبنى بأفكارك وخطوات تخطوها قدميك بكل ثقة وثبات.• وتمر السنوات وأنت أنت تجول بالحياة شرقا وغربا فتارة تواجه قسوتها وتارة تواجه صلابتها وتارة تواجه متاعبها وتارة تواجه أناس من بنى جنسك ولكنهم لا يشبهونك بالطباع ولا الحديث ولا حتى خطوتهم تشبه خطواتك فهم يسارعون في كل اتجاه دون دراسة أو فهم أو وعى من أجل الحصول على ما تشتهى أنفسهم فقط يسارعون بجهلهم دون علم يسارعون بخطواتهم وهم حفاة عراة لا يدرون حتى ملابسهم ولا أحذيتهم هل هي المناسبة لهم أم هو تقليد أعمى لأبصارهم ورغباتهم فتجدهم تارة في نفاقهم وتارة يظهرون محبتهم وتارة يمنون برجولتهم الظاهرة دون رجولتهم الباطنة حتى يقال عليهم أنهم من بنى الرجال في جمع من بشر الهش الذي يشابه افكارهم وتطلعاتهم ويمشون بالأرض مرحا ولا يعلمون معناه ويمشون بالأرض كهانة وهم لا يعلمون معناها ويمشون بالأرض نفاقا وهم يعلمون أنهم غير ذي الفعل لا يحصلون على نتيجة مكتسباتهم الهشة والدنيوية والتي تتبرأ من الحياة ويتبرأ منها الصادقون العاقلون الذين يعلمون أن هذه الحياة ماهي إلا لهو ولعب وزينة وتفاخر بين البشر .• من هنا كان الإحساس بقسوة الحياة من المشاهد التي نعتدها كل يوم بتعاملاتنا بيننا وبين بني البشر فتد من هو يريد أن يثبت رجولته الخائبة والهشة على من حوله بالداخل أو بالخارج ومنهم من يعلم أنه فارغ البدن وهش البنيان ويحاول أن يثبت أنه عنتر زمانه ومنهم من يعلم أن قلبه لا يحمل الخير والطيبة والحب لمن حوله بالمجتمع ولكنه يريد أن يثبت أنه من أصحاب القلوب النيرة . ومنهم من يحاول أن يتطلع على كتف من حوله حتى ينال مقعد غير مقعده أو منصب غير لائق به ولكنه بنفاقه وكذبه وكهانة الحديث أقدم ليحصل عليه . ومنهم من لا ينمى عقله بغذاء الفكر المستنير ولكنه ينميه بالمكر والدهاء وباعتقاده أنه من أذكى البشر . ومنهم من يمشى وكأنه يحمل الطير فوق راسه ويتنهد ويقول يا أرض اتهدى ما عليكي أدى وهو لا يعلم أنه يمشى مكبا على وجه ولا يرى تحت قدميه ولا يحسب خطواته إلى اين يضعها أو إلى أين يأخذها .• من هنا نجد قسوة الحياة حتى على من هم تقدم بهم العمر بالحياة فتجدهم ينظرون بأعينهم لمن حولهم من هذا الصنف من البشر وقسوتهم عليهم بلا رحمة ولا حب ولا تعاون ولا حتى مراعاة تقدمهم بالعمر فهم في حاجة ماسة إلى التراحم والتعاون والطبطبة والعيشة المريحة الخالية من قصوة القلب وطول اللسان . فتدهم يتعجبون ويتساءلون فيما بينهم ما هذه الحياة الدنيا ليست هذه حياتنا ليست هذه مقاعدنا ليست هذه أرضنا ليست هذه شوارعنا ليست هذه بيوتنا ليست هذه عاداتنا التي كنا عليها .• فحرص منا على ما بقى من العمر لابد من الهجران هجران كل هذه القسوة بالحياة هجران كل ما لا يشبهنا هجران الأرض التي تحمل النفاق والرياء والكذب هجران هذه الطرقات التي اصبحت غير مستوية لأقدامنا هجران مثل هذه القلوب المتحجرة التي لا تحمل الخير هجران هذه العقول الصلبة التي هي كالجارة أو أشد قسوة علينا هجران شوارعنا التي أصبحت لا طاقة لنا بها من زحام وضوضاء ولا تراعي حرمة السير بها . هجران منازلنا التي اصبحت خالية من الحب والود والتراحم والعيشة الهنية حتى اشتكت معنا جدرانها وأسطحا . هجران المجتمع لأنه ليس منا ونحن لسنا منه . فكان لزاما عليا لما بقيا لنا من عمر بالحياة الهجرة من قسوة الحياة إلى شاطئ الحب والنجاة .• فتعالى بنا يا حبيبتي تتشابك ايدينا وتتوحد خطواتنا على طرقاتنا لنسعد قلوبنا ويشتد نور أبصارنا بشاطئ هناك ينتظرنا نجد به عشنا وعصفورنا وشجرة تظلل على رؤوسنا وطعام به يحلو لنا وأمواجا تحن علينا وتحتضننا وليل فيه السكينة وقمر ينير فراشنا حتى يأتي علينا صباح جديد كله أمل وحياة لنعيش عيشة هنية سوية ما بقى من أعمارنا .

زر الذهاب إلى الأعلى