مقالات

“إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ”

إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ”

متابعة ناصف ناصف

المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة. مفيدة ابراهيم على.عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

لقد كثر ذكر الإصلاح والمصلحين في القرآن الكريم، في مقابل ذم الإفساد والمفسدين؛ لتكتمل الصورة الربانية التي يريدها الله رب العالمين للبشر والمجتمعات البشـرية، ومن ذلـك قوله تعالى : “وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ” الأعراف: 170 أي :أجرهم عند الله محفوظ .

وأن الإصلاح الذي يرفع الأمة إلى منزلة تجلُّها القلوب، وتهابها العيون، وتجعلها في مأمن هو الإصلاح الذي يرشد إليه الدين الحق، ذلك أنَّ الدين الحقَّ يسير بالناس على الطريقة الوسطى، فلا يأمر بما فيه حرج.

والإصلاح أن تضع كُلَّ شيءٍ في موضعه، والفساد هو أن تُخرِج الشيء عن طبيعته وكل شيء يَفسُد عندما تستخدمه في غير ما خُلِقَ له، الله تعالى خلق العقل ليصل إلى خالق السماوات والأرض فيسعد في الدنيا والآخرة، ، خلقه الله لوظيفة أن يصل إلى الله وأن يفهم الشرع فجعله بعض الناس حكماً على الشرع فأفسدوا العقل! نعم عندما نستخدم العقل لغير ما خلق له فنحكِّمه في شرع الله عَزَّ وجَلَّ ، فقد أُخرِجناه عن وظيفته . وكذا يفسد القلب ,االقلب في الأصل خلقه الله ليحب الحبَّ الطاهر البريء، ليحب الله، ليحب رسل الله، ليحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليحب الخير، ليحب الزوجة، ليحب الولد، ليحب أهل بيته، ليحب المؤمنين، ، كل شيء يمكن أن يفسد عندما يخرج عن طبيعته (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) الله يحب الصلاح، يحب الإصلاح، قال تعالى: “إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ”

 أنه منهج متكامل يقيم الحكم على أساس كتاب الله، وسنة نبيه الكريم, ويقيم القلب على أساس العبادة. ومن ثَّم تتوافى القلوب مع الدين؛ فتصلح القلوب، وتصلح الحياة. إنه منهج الله، لا يعدل عنه ولا يستبدل به منهجاً آخر, وما تفسد الحياة كلها إلا بترك طرفي هذا المنهج الرباني؛ ترك الاستمساك الجاد بتعاليم الإسلام وتحكيمه في حياة الناس؛ وترك العبادة التي تُصلِح القلوب فتطبِّق الشرائع .

إن ما أصاب البشرية من آفات معضلات، ومصائب مهلكات، كان بسبب إعراضهم عن منهج الله القويم، واستبداله بهواهم العقيم، فلا سبيل لهم إلا بمنهج الله تعالى.

والإصلاح بين الناس من أخلاق وشمائل نبينا صلى الله عليه وسلم التي حثنا عليها بقوله وفعله، لما فيه من إصلاح للفرد والمجتمع، فهنيئاً ثم هنيئاً لمن أجرى الله الخير على يديه، فجعله سبباً للإصلاح بين المتخاصمين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين)

كما وصف الله تعالى الداعين الناس إلى منهج الله وشرائعه، القائمين به ديناً وعملاً بالمصلحين، أي الساعين إلى الإصلاح فيما وقعت فيه البشرية من الانحراف والبعد عن صراط الله المستقيم وشرائعه كما قال تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام: ” إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ “هود: 88. أي : إليه وحدَه أرجع في ما يحزبني من الأمور، وإليه وحدَه أتوجه بنيَّتي وعملي ومسعاي .

زر الذهاب إلى الأعلى