تحقيقاتمقالات

فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا”

المقال الاسبوعى للاستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

متابعة /ناصف ناصف

نحن على مشارف عام هجري جديد ، ذلك الهجرة التي غيرت مجرى التاريخ، و صححت مسيرة الإنسانية حتى غدا الإسلام أكثر الأديان انتشاراً في الأرض، وتكونت أمة أخرجت البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، من ضيق الدنيا إلى سعتها، من جور الأديان إلى عدل الإسلام.

الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة من أعظم الأحداث في تاريخ الإسلام، انتقل بها هذا الدين العظيم إلى العالمية، والهجرة انطلاقةً لهذا الدين إلى العالم، ليصبح خلال سنوات معدودة معروفًا لدى أقوى إمبراطوريتَين في ذلك الوقت؛ الروم والفرس, والهجرة معناها أن يهجر الإنسان ما حرم الله عليه و انتقال وحركة نحو الله و في الإسلام هو: (الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ).

ويدل قوله عز وجل” فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي” آل عمران: 195، على أن مسألة الهجرة كان فيها تفاعُل وتدافُع بين المسلمين والمشركين؛ فكفار مكة لم يكونوا يطيقون معيشة المسلمين بينهم، والمسلمون كانوا قد لقوا منهم أشد أنواع العذاب والتضييق، وقد أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه عبد الله بن عَدِيّ إلى أن المسلمين دُفِعوا دفعًا إلى الهجرة، فعندما كان واقفًا بالحزور في سوق مكة قال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله -عز وجل-، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرَجتُ)

وتضمَّنت سور القرآن الكريم موضوع (الهجرة) سواء بذكر الكلمة الدالَّة عليها صراحةً كما في قول الله تعالى-: “وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً “النساء: 100، أو بالحديث عنها دون إيراد الكلمة، كما في حديث القرآن الكريم عن أحد المواقف بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أثناء الهجرة النبوية، وذلك في قوله تعالى: “إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ” التوبة: 40

ونحن على مشارف عام هجري جديد علينا أن نسعى إلى كل عمل يقربنا إلى الله ولابد من تمحيصه وفرزه بمنأى عن النفاق والمنفعة والمحسوبية ولابد من مجاهدة النفس و الهوى ابتغاء مرضاة الله.

و كما كانت الهجرة النبوية بمثابة ميلاد جديد للدولة الإسلامية تتخذها بداية للتأريخ وهذا التأريخ في دلالته العميقة يشير إلا أن أمة الإسلام تعتبر بأحداث التاريخ، فهل نستفيد في وقتنا الحاضر من هذه الذكرى؟ ومن زاوية أخرى ألا يدفع الواقع الذي نعيشه هذه الأيام إلى الهجرة للإرادة وجهاد للنفس، وتعويد على الصبر، وهل الإنسان إلا إرادة؟ وهل الخير إلا إرادة؟ وهل الدين إلا صبر على الطاعة، أو صبر عن المعصية؟ والهجرة تمثل كل هؤلاء

مع الأخذ بالأسباب الذي لا ينافي التوكل. فقد كان يكفي الرسول صلى الله عليه وسلم توكل صادق على الله لإنجاز الهجرة، ولكنه بأخذه للأسباب الطبيعية والتي يقدر عليه كل البشر دعوة صريحة بأن النجاح في الأهداف مرتبط بقوة التخطيط، فكان الاستعداد المادي والتكتيكي فاستخفى بسواد الليل وبالغار، وسلك طريقا غير معتادة، ولم تكن الأسباب وحدها كافية بل يقينه في الله وتوكله عليه جعلته يصل بنا عليه الصلاة والسلام بهجرته إلى بر الأمان .

زر الذهاب إلى الأعلى