مقالات

المقال الأسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالازهرالشريف

نقله لكم ناصف ناصف
” يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي”
إصدار الفتوى في الإسلام أمراً عظيما من ناحية المسؤولية، و يتم إصدار الفتوى عادة نتيجة غياب جواب واضح وصريح يتفق عليه الغالبية في أمر من أمور الفقه الإسلامي ويتعلق بموضوع شائك ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية ويطلق تسمية المفتي على الشخص الذي يقوم بإصدار الفتوى.
ومن الملاحظ في واقعنا أن لدينا غراما بالاستفتاء فما من شخص يتبوأ مكانة في الجرأة وشيء قليل من العلم والمعرفة إلا وتجد الناس يتسارعون إلى استفتائه في كثير من المسائل التي ربما سبق أن استفتوا فيها عددا غير قليل من أهل العلم.
ولا يستغرب مع هذه الحال أن يوجد خلاف شديد وتناحر بين من يستفتون كل من هب ودب. والفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين، زاد خطرها إذ عليها يتوقف صلاح الدنيا والآخرة ، ومعرفة الحلال والحرام وخاصة أن مجتمعنا يعانى كثيرا من المشكلات الاجتماعية وقلة الوعى والانفلات الاخلاقي، والمفتي إنما هو العالم بالمسألة التي يفتي فيها ، تأسيسا لاتقليدا ، مع ملكة في النظر ، وقدرة على الترجيح والنظر المستقل في اجتهاد من سبقوه ، لا مجرد نقل وحكاية الأقوال .
ومما زاد من خطورتها كثرة الأحداث، وتعدد القضايا التي ليس لها نظير في حياة سلفنا يقاس عليه ،أو لها نظير ولكن تغيرت علل الأحكام بسبب تغير الظروف مما يستلزم معه تغير الحكم . . حتى لا تطلق هذه الفتاوى التى تزعزع الثقة برجال الدين، وتشغل الناس عن أمور الدين الصحيح بغير وعى، بما ستحدثه من أثر سلبى .
وهذا كله يستلزم أن يكون المفتي على قدر تام من التصور والإحاطة الشاملة بالمسألة قبل الحكم فيها حتى يكون الاجتهاد صوابا أو قريبا من الصواب وإلا أفسد على الناس دينهم وحياتهم ودفعهم على ارتكاب المعاصي من حيث لا يشعرون، وباء هو بإثمهم جميعا إلى يوم الدين , ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله، أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وهذا مرتع خطير لا بد من وضع حد له، فإن الإفتاء بغير علم ينبغي أن يعاقب عليه القانون عقوبة رادعة تنزل بأولئك الذين يتصدون للإفتاء قبل تمكنهم من أدواته وعلومه الضرورية.
في هذا العصر يتطلب الأمر الابتعاد قدر الإمكان عن الإفتاء الفردي والارتجال في الإفتاء خاصة في المسائل التي تعم بها البلوى ويمكن أن يترتب على الخطأ فيها تشتيت شمل الأمة، أو إيقاع شبابها في فتن لا مخرج لهم منها، وقد تصطلي الأمة كلها بنيرانها. ومن هنا تتجلى أهمية الاجتهاد الجماعي لكونه مما يقلل الخطأ، ويدرأ شبهة اتباع الأهواء.
وعلى الإعلام أن يتنحى عن هذا الدور السلبي في التباري لجذب أعلى نسبة إثارة ومشاهدة لكل ما يضر بالوطن و عليه ان يتجاهل هذه الفتاوى التي من شأنها زعزعة واستقرار أمن الوطن.
أ .د/ مفيدة إبراهيم على – عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية

زر الذهاب إلى الأعلى