تحقيقاتمقالات

 الهجرة النبوية المباركة دروس وعبر 

دكتوره شمس راغب عثمان أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية وآدابها الجامعة الإسلامية ولاية منيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية

متابعة/ ناصف ناصف

 كانت الهجرة النبوية المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة

انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام وإعزاز لدين الله تعالى ، وفاتحة

خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين ومعلم باهر ظاهر في

مسيرة الدعوة إلى الله تعالى في بناء مجتمع لحقوق الإنسان وإسعاده .

 لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا تنقطع ومنها :

 الصبر واليقين طريق النصر و التمكين :

 فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة ، ويقذف

الإيمان في. قلوب الأنصار ، لنبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل

الصبر واليقين ، قال تعالى : ” إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ” سورة غافر : مكية ٥١ .

 إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى ، لكن

من صبر ظفر .. ومن ثبت انتصر .. قال تعالى : ” والله غالب

على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ” سورة يوسف من الآية ٢١

درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله :

لقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها

الرؤوس . فالكفار بالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته

وليس بينه وبينهم إلا الباب .. والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار .. وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى

يسمع قراءته … والرسول – صلى الله عليه وسلم – في ظل هذه

الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره .

 فمهما اشتدت الكروب ومهما ادلهمت الخطوب يبقى المؤمن متوكلا على ربه واثقا بنصره لأوليائه .

 وما حوى الغار من خير ومن كرم

وكل طرف من الكفار عنه عمي

 فالصدق في الغار والصديق لم يرما

وهم يقولون ما بالغار من أرم

 ظنوا اليمام وظنوا العنكبوت على

خير البرية لم تنسج ولم تحم

 وقاية الله أغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن عال من الأطم .(١)

 الأطم : نوع من الحصون .

 درس في المعجزات الإلهية :

 بقدرة الله وعظمته خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم –

وهو أعزلا محاصرا يخرج إلى الكفار ويخترق صفوفهم فلا

يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي ، قال تعالى : ” وجعلنا

من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون”

سورة يس: الآية

 هل رأيتم عنكبوتا تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة .. هل رأيتم فريقا من. الكفار يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطأ أحدهم رأسه لينظر في الغار !

 هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبة فتغرز قدماه في

الأرض وكأنما هي تسير في الطين أو في الرمال ! هل رأيتم شاة

أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن !

 إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله. تعالى ، وإذا

أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين ، وقلب الموازين ، قال

تعالى في محكم التنزيل : ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول

له كن. فيكون ” سورة يس : مكية الآية ٨٢

 درس في الحب والإيثار والتضحية :

 الحب هو التضحية والفداء يوم أن بات علي – كرم الله وجهه –

في فراش النبي – صلى الله عليه وسلم – وغطى رأسه كان يعلم

أن سيوف الكفار تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش ، ويوم أن

قام آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه

الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم . هكذا كان شباب الصحابة . تأملوها جيدا شتان بين

شباب الصحابة وبين شباب يضعون رؤوسهم على الفراش ولا

يضحون بدقائق للصلاة مع الجماعة . هداهم الله لما فيه الخير .

 إن هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحا بصحبته – صلى الله عليه وسلم – إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم

وهو يسري في جسده يوم أن. لدغ في. الغار لأن الحبيب كان

نائما على رجله . إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر

ماله ليؤثر به الإنفاق في سبيل الدعوة الإسلامية.

 إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار في المدينة كل يوم في

أيام حارة ينتظرون قدومه – صلى الله عليه وسلم – في لهفة وشوق لرؤياه ، واستقبلوه أروع استقبال .

درس في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب :

 لقد كان – صلى الله عليه وسلم – متوكلا على ربه واثقا بنصره

يعلم أن الله كافيه وحسبه ، ومع هذا كله لم يكن – صلى الله عليه وسلم – بالمتهاون المتواكل الذي يأتي. بالأمور على غير وجهها . بل. أنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية

وإتقان . فالقائد محمد – صلى الله عليه وسلم – ، والمساعد : أبوبكر – رضي الله عنه ، والفدائي علي – كرم الله وجهه ورضي عنه ،

والتموين : أسماء ، والاستخبارات : عبدالله بن أريقط ، والمكان المؤقت غار ثور ، وموعد الانطلاق : بعد ثلاثة أيام ، وخطة

السير : الطريق الساحلي .

 وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته – صلى الله عليه وسلم –

وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط

والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على

مسبب الأسباب والاستعانة به سبحانه وتعالى أولا وآخرا .

 فما أحوج المسلمين إلى هجرة إلى الله ورسوله ، هجرة إلى

الله بالتمسك بحبله المتين وتحكيم شرعه القويم ، وهجرة

إلى رسوله باتباع سنته والاقتداء بسيرته العطرة ، فإن فعلوا

ذلك فقد بدأو السير في الطريق الصحيح وبدأوا يأخذون بأسباب النصر ، ” وما النصر إلا من عند الله “.

 الدروس المستفادة من. الهجرة النبوية المباركة معين لاينضب

فهي. كثيرة جدا لايتسع المجال هنا لذكرها وأكتفي بما ذكرت بعض منها .

 وفقنا الله لما يحبه ويرضاه وأتقدم إليكم بخالص التهنئة القلبية

بهذه المناسبة الدينية المشرفة ، التي نأخذ وننهل منها الدروس

والعبر ، وأتمنى من الله تعالى أن. يكون عاما هجريا مباركا للعمل

الجاد يعيش فيه وطننا المصري و العربي وأمتنا الإسلامية والإنسانية كلها في سلام وأمن وأمان .

زر الذهاب إلى الأعلى