تحقيقاتمقالات

الاحتفال بالمولد النبوي

الاستاذ الدكتورعلاء الحمزاوى الاستاذ بجامعة المنيا

متابعة/ناصف ناصف 

 إجماع العلماء حُجّة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، والاحتفال بالمولد النبوي يدخل في “الرحمة الواسعة”، فلا ننكر على المانعين منعهم ولا المجيزين إجازتهم، والاحتفال ليس سنة نبوية، وليس بدعة آثـمـة يأثم عليها المحتفلون؛ لأن البدع الآثمة تكون في الأمور التوقيفية كالعبادات، إنما الاحتفال بالمولد عادة اجتماعية طيبة، ويمكن أن يدخل في الذكر المطلق فيثاب عليه المسلم؛ لأن ذكر النبي من أعظم الذكر.

 كان النبي يصوم يوم الإثنين، وعلّل صيامه بقوله: “ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل عليّ”، وهذا يعني أن النبي كان يحتفل بمولده أسبوعيا، واحتفاله كان طاعة لله، وبات صيام الإثنين سُنّة للمسلمين شكرا لله على مولد المصطفى، واحتفل بمولده جده عبدالمطلب حيث سماه محمدا فرحا به نتيجة رؤيا، حيث رأى أنه رُزِق بمولود يحمده أهل السماء والأرض، فلما وُلِد النبي سمّاه محمدا، و{محمد} صيغة مبالغة تدل على كثرة الحامدين له، بل يقال: إن أبا لهب احتفل بمولد نبينا الهادي! حيث أعتق الجارية التي بشرته بخبر مولده، أعتقها فرحا بقدوم محمد!

 الاحتفال بالمولد النبوي فرح، والفرح مباح ما لم يخالطه إثـــم، كاختلاط الرجال بالنساء في الاحتفال فذلك غير جائز، والله أمرنا أن نفرح برسول الله، إذ {قُــلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، والنبي رحمة عامة، كان يبكي ويقول: اللهم أمتي أمتي، فطمأنه الله بقوله: سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، ألا يستحق أن نحتفل بيوم مولده؟!

الاحتفال الحقيقي أن نتحلى بأخلاق النبي التي سَمَتْ فوق كل خلُق بشري، فمدحه ربنا بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وأنا أذكر هنا ست عشرة سمة خلقية لرسول الله منذ صغره، عمل النبي برعي الغنم ثم التجارة، ولهذين العملين ميزة كبيرة في ترسيخ القيم السامية، فرعي الغنم يكسب المرء الصبر والهدوء والرفق والوداعة في علاقته بالناس، والتجارة تكسب المرء الصدق والأمانة والسماحة والإخلاص وعدم الغشّ في التعامل، وقد اتسم النبي بهذه السمات، وتقول له خديجة: “أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصْدُق الحديث، وتحمل الكلّ، وتَقري الضيف، وتُكسِب المعدوم، وتعين على نوائب الحق”، إنه واصل لرحمه وصادق في حديثه، يحمل أثقال الفقراء والضعفاء والأيتام بالإنفاق عليهم، كريم مضياف للناس، يتبرَّع بالمال للمحتاج، ويُعين الناس فيما يصيبهم من قضاء الله؛ ليتجاوزا ابتلاءاتهم، هذه الأخلاق السامية تُكسِب المرء معية الله.

الاحتفال الحقيقي أن نتمسّك بالسُّنّة النبوية لقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، فهي المتممة للقرآن في أحكام الدين، هي من الذكر الذي تكفّل الله بحفظه، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ لأن النبي نطق بها وحيا من السماء، وقد نقل العلماء لنا السُّنة النبوية بدقة شديدة، فأبدعوا لها علما تفرّدوا به على العلوم كافة، هو علم “الجرح والتعديل” ويُسمّى علم “نقــد الرجال”، وهو يُعنَى بتوثيق السُّنّة، والمراد بالجرح وصف الراوي بالضعف أو الكذب أو عدم الثقة، والمراد بالتعديل أن الراوي حافظ متقن ثقة صادق أمين في النقل.

 الاحتفال الحقيقي هو تعظيم رسول الله، فقد أمرنا الله أن نعظمه، فقال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ}، الضمير في {تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} إما عائد إلى الله والنبي داخل في الخطاب، أو عائد إلى النبي، وهما بمعنى النُّصرة والتعظيم، وكان بعض العلماء إذا دخلوا المدينة المنورة لا يركبون الدابة ويمشون حفاة توقيرا لرسول الله، وكان الإمام مالك يقول: مدينة رسول الله لا أركب فيها دابة أبدا، وكان بعضهم ينظر إلى المسجد النبوي ويقول: (أمـرّ على الديـار ديـار ليلى، أقبّـل ذا الجـدار وذا الجــدارا) (وما حب الديار شغفن قلبي، ولكن حب من سكن الديارا).

 الاحتفال بالمولد يذكّر المسلمين بسيرة النبي لعلهم يزدادون بها قربا من الله وتثبيتا لقلوبهم، كما ثبّت ربنا قلب النبي بقصص الأنبياء، فقال له: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}، ونحن أَوْلى أن نثبّت قلوبنا بذكر سيرة نبينا.

زر الذهاب إلى الأعلى